البشريّة الاستيناس بهم ، كما أنّ مقتضى طبع القلب السليم الصحيح هو الانس بالله سبحانه وأوليائه.
ومنها : ارتفاع صفة الرشد والسداد عنه وصيرورته بحيث لا يتبع ما فيه مصلحته ، ولا يجتنب ما فيه مفسدته مع علمه بأنّه كذلك ؛ كالاعمال والتروك الغير المرضيّة بحسب الشرع الصادرة عمّن يعتقد بالدين والشريعة ، بل وممّن يظنّ بصحّته أيضا ، فانّ من مقتضى الطبيعة الصحيحة طلب المنفعة المظنونة. والهرب من الضرر المظنون ، كما يشاهد ذلك في حال البهائم في طلبها الكلاء من مظانّها والهرب عن مظانّ وجود السباع وغيرها من المضرّات. وهذا حالة السفه الباطني ، كما أنّ فقدان عقل المعاش وإصلاح المال هو السفه الظاهري ، بل لعلّ الاوّل أشدّ وأقوى باعتبار أنّه عالم ، أو ظانّ لا يعمل بعلمه وظنّه ، وهذا جاهل في كثير من موارده. ولعلّ إلى ما ذكر يشير ما ورد على ما ببالي من أنّ : «شارب الخمر سفيه» (١).
ومنها : خوفه ممّا لا ينبغي الخوف منه ، ورجائه ممّن لا ينبغي رجائه ؛ كالمعتقد بأنّه لا معطي ولا مانع إلا الله ، أو الظانّ بذلك وهو يرجوا غيره ويخاف سواه. ومثاله بعض أقسام الجنون الّذي يعترض فيه الخوف ممّا لا ينبغي الخوف منه ، كمن عضّه الكلب الّذي يخاف من الماء خوفا شديدا ، وكبعض أفراد الماليخوليا الّذي يعرض فيه الخوف من أمور لا يصحّ الخوف منه.
__________________
(١) الاخبار المؤيدة لهذا المعنى كثيرة ، فانظر رواية علي بن إبراهيم (ره) في تفسيره ، ج ١ ، ص ١٣١ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ، عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وهي : «أي سفيه أسفه من شارب الخمر» ورواية العياشي (ره) عن عبد الله بن سنان ، عنه ـ عليهالسلام ـ ، في تفسير آية : «لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ» (النساء / ٥) وهي : «لا تؤتوا شراب الخمر والنساء» وسائر الروايات التي جمع بعضها البحراني (ره) في البرهان ، ذيل الآية الاخيرة.