تجاوز ذلك المقام ، ويكل أمره إلى ربّه ، ويشتغل بأمر نفسه ؛ إذ حسابه ليس عليه ، سواء كانت التفاوت بحسب العمل أو الحال أو العلم والمعرفة ، ولا يسلك مع غيره سبيل التسفيه والتضليل والتجهيل والاستهزاء ونحوها ، وإلا فلا يأمن أن يكون له مرتبة أعلى من مقامه في الايمان والدين ، فربّما يتوجّه عليه من ربّه سبحانه نظير الردّ الواقع في شأن المنافقين هنا ؛ إذ من صفات المتّقي أنّه إذا بغي عليه صبر ، حتّى يكون الله هو الّذي ينتقم له ، وليس من البعيد منه سبحانه أن يجازي الطاغين لعباده المخلصين ولو بعد وفاتهم بالانتقام أو العتاب الشديد.
وحينئذ فالمناسب لحال المؤمن وفي كلّ مرتبة أن يرى فوق إيمانه إيمانا ، وفوق مرتبته مرتبة ، وفوق علمه علما ؛ كما قال سبحانه : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)(١).
ويكون سبيله التوقّف وردّ علم حال سائر المؤمنين إلى الله سبحانه ؛ كما قال بعض الانبياء : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ)(٢).
ثمّ إنّ لهذا المقام تفريطا ينبغي التحرّز عنه ، وملازمة حدّ الوسط والاستقامة والاعتدال ، وذلك كما إذا اقتضى ضرورة حفظ الشرع مثلا أوردع البدعة وإبطال الباطل على التعرّض لحال شخص ، فربّما يكون مراعات ذلك أهمّ ، وكما إذا أدّى السكوت عن حال الاشخاص على تزلزله في مقام علومه ومعارفه ، فكلّما سمع من أحد كلاما مخالفا لما عنده احتمل أن يكون حقّا ، فيزول بذلك اعتقاده ؛ إذ لا يجامع الاعتقاد الجزمي الاحتمال ، بل ينبغي له ملازمة علمه ومعرفته ودفع التزلزل عنه مع السكوت عن حال السائرين ، واحتمال أن يكون مطلبهم ما فهمه ، أو لا يكون منافيا لما عنده كما يتّفق كثيرا في كلمات الكاملين
__________________
(١) يوسف / ٧٦.
(٢) الشعراء / ١١٢ ـ ١١٣.