ذلك المقام خارجا عن ميزان السداد والاستقامة ، إلّا إذا لم يكن واقفا على حدّ علمه ومعرفته ، مذعنا بأنّ فوقه مقامات لم يصل إليه ، أو كان مدركا لذلك المقام علما وإن نقص عنه بالحال والعمل.
ويشهد لبعض ذلك ما ذكره أمير المؤمنين عليهالسلام في صفة المتّقين على ما في النهج من قوله عليهالسلام على ما ببالي :
«ويقولون : قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم» (١).
وغير ذلك.
ثمّ إنّ الله سبحانه ردّ عليهم قولهم بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) ، المشتملة على تأكيدات على ما يظهر بالمقايسة إلى ما ذكر في الآية السابقة.
ثمّ إنّ إدراك الناقصين والفاقدين ما لأجله كان عمل هؤلاء صحيحا مطابقا للعقل والرشاد موقوف على حصول العلم بحقيقة ما هم عليه من الايمان ، فكأنّ التعبير ب (لا يَعْلَمُونَ) أولى من (لا يَشْعُرُونَ) بخلاف الآية السابقة ؛ إذ الفساد الصادر منهم في الارض أمر قريب من الاحساس والشعور ، فكأنّ التعبير بالشعور أولى.
ثمّ إنّه يجري نظير الاية في العلماء بالاكتساب بالنسبة إلى أهل المعرفة والدراية ، فيعدّونهم سفهاء لخروج كلماتهم عن ميزان أدلّتهم وقياساتهم ، وبالنسبة إلى ناقصي العلم بالنسبة إلى الكاملين فيه إذا تجاوز كلامهم عن مرتبة أفهامهم وتصوّراتهم ، ووقوع البينونة التامّة بينهم ، وكذا العارفين بعضهم مع بعض.
فطريقة السداد والرشاد أن يلازم الانسان مقامه وحدّه ، ولا ينكر على من
__________________
(١) راجع نهج البلاغة ، خ ١٩٣ ، ص ٣٠٤ ، وفيها : «ويقول : لقد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم».