كما ربّما يظهر من الرواية ، ولغير ذلك من حيث إعراضهم عن النعم التي كانوا فيها ، وإقدامهم على المهالك ، وإنفاقهم الاموال ، وصبرهم على ما كان ينالهم من الشدائد والمكروهات ، ونهاية التذلّل والانقياد للاسلام والنبيّ صلىاللهعليهوآله ظاهرا وباطنا بعد كون ذلك لغير داع صحيح في نظر هؤلاء المنكرين المنافقين ، وإنكارهم أن يكون للدين أصل وحقيقة ، فيكون كلّ ذلك بحسب طريقتهم وحسبانهم خاليا عن فائدة وعائدة إن كانوا منكرين اعتقادا ، وإن كانوا جاحدين عن علم.
فيمكن أن يكون نسبة السفاهة لأجل تحمّلهم شدائد الدنيا وغيرها للآخرة ، مع أنّ الدنيا أرجح في نظرهم ، أو لأجل كون ذلك جحودا لكمال عقلهم ومرتبتهم ، كما جحدوا أصل الايمان.
ومثله الكلام في منكري الولاية اعتقادا وجحودا ، كما يظهر من الرواية السابقة ، ويعرف التفصيل بالمقايسة ، ويجري نظيره في الفسّاق المنهمكين في فسقهم بالنسبة إلى المتّقين ، فانّهم يرونهم سفهاء في إعراضهم عن الشهوات المحرّمة والمشتبهة والمكروهة والمباحة على حسب درجاتهم ، وإقدامهم على العبادات الواجبة والمندوبة ، وترك الحيل المحرّمة وغيرها على حسب درجاتهم في التقوى ، كما يصدر منهم كثيرا كلمات تدلّ على أذاهم وتحقير شأنهم والاستهزاء بهم. وهذا طريقة أهل الدنيا مع أهل الآخرة ؛ كأنّهم يزعمون أنّ هؤلاء لم يفهموا ولم يدركوا لذّات ما هم منهمكين فيه ، أو لم يهتدوا إلى تحصيلها سبيلا.
ثمّ يجري نظيره في أهل الآخرة في كلّ مرتبة بالنسبة إلى ما فوقها ، فالعابد بالجوارح يرى العابد بالمجاهدة والرياضة الباطنيّة سفيها ؛ إذ لم يصل إلى ذلك المقام ، ولم يدرك منافعها ومصالحها ، وكذا حال العابدين بالنسبة إلى العارفين.
وبالجملة فكلّ ناقص عن نيل مقام وعن إدراك ذلك المقام يرى عمل أهل