ونقول :
إنّ الّذي يظهر من حال الممكن أنّه لا يستغني في حال من حالاته عن ربه من دون فرق بين حالتي حدوثه وبقائه ، وأنّه في الحالين محتاج إلى إقامته إيّاه في الاعيان من دون تفاوت ، والعبد إنّما يطغى بعد فرض وجوده واتّصافه بالقدرة والعلم والشعور وغير ذلك من صفاته ، وبعد فرض وجود الاسباب المطغية له ، وكلّ هذا من مدد الحقّ سبحانه عليه حدوثا وبقاء ، وليس من شرط المدد أن لا يصلح إلا لخصوص ما يمدّه بحيث لا يكون مددا لغيره ، بل يجوز أن يكون صالحا لأمرين متضادّين ، فاذا صرف الممدّ له المدد في أحدهما صحّ أن يقال : إنّ الممدّ أمدّه في ذلك وإن لم يعين عليه ، ولم يكن متعيّنا الامر الّذي صرفه فيه.
ولمّا كان كل ما في الكون ممّا يتعلّق بالانسان من نفسه وقواه وأعضائه وسائر الاسباب المهيّئة له صالحة لفعل الطاعة والمعصية ، ومجموع ذلك مدد للمكلّف في طاعته ومعصيته ، فاذا صرف العبد ذلك في المعصية ، وجعله وسيلة إلى العصيان ، فقد أمدّه الحقّ في معصيته وطغيانه.
ثمّ إنّه إنّما يفعل بالله وبحوله وقوّته ، وهو مفتقر في فاعليّته إلى ربّه ، وهذا أيضا مدد له. والطغيان الذي يصدر منه أيضا موجود من الموجودات ، محتاج في تحقّقه إلى وصول المدد إليه ، وله أصل كلّيّ تحت الجهل الكلّيّ منفصلا عن هذا العالم بأسرها ؛ كسائر جنود الجهل إن لم نعمّم الطغيان لجميعها ، وإلا فأصله نفس الجهل الكلّيّ وجنوده بأسرها ، والطغيان الحادث في كلّ نفس يستمدّ من ذلك الطغيان الكلّيّ ويتحقّق بسببه. والجهل وجنوده كلّها ممّا خلقه الله سبحانه وأبقاه في عالمه (١) بناء على إثبات ذلك العالم ، كما لعلّه سيجيء بيانه في مطاوي
__________________
(١) راجع رواية الكليني (ره) في الكافي باسناده عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ