ثمّ إنّ أقسام النفاق بالمعنى المتقدّم كلّها مشتركة في اشتراء الضلالة بالهداية ؛ إذ الهداية الموهوبة وظهور الهداية الفطريّة وكمالها إنّما يحصلان للعبد بالتحقق بالايمان الحقيقي بشؤونه وأغصانه ، لا بالاتّصاف بصفات المنافقين والاتيان بأفعالهم. وكذا يجري نظير ذلك في سائر المراتب بالنسبة إلى كثير من أقسام النفاق ، ويظهر التفصيل بالتأمّل فيما سبق.
ثمّ إنّ المعاملة الواقعة بين الهدى والضلالة الذين هما الاصلان في المقامين تجري في جميع آثارها ، فقد اشتروا الاسلام بالكفر ، والسعادة بالشقاوة ، والآجلة بالعاجلة ، والآخرة بالاولى ، والامر الحقيقيّ بالامر الوهمي ، والجنّة بالنار إلى غير ذلك ، بل وفي مبدأ الهداية والضلالة في النفس ، فانّ النفس لها صلاحيّة لقبول الهداية وطلبها ، وميل شأنيّ نحوها من طرف العقل والفطرة ، ولها صلاحية للاتّصاف بالضلالة ، وطلب ما يترتّب عليه الضلالة وإن لم يشعر به ، وميل شأنّي نحوه من طرف النفس وأسباب الحجاب الطاري على الفطرة ، فلا تغفل.