الحطب الذي توقد بها ، وتحيي الشعلة التي تقوم بها ، وتدقّ جليل الحطب ، وتلطف غليظه حتّى يصير الحطب الكثيف دخانا لطيفا ، ويظهر بسببها لمعان النور الذي يبين المساكن بطرقها ، ويتمكن السالك من سلوك السبيل في ضوئه حتى يصل إلى مقصده ومقامه ، وبه يثبت رجلا السالك ، ويطمئنّ بدنه ؛ إذ لولاه لم يتمكن من وضع رجليه في موضع الطمأنينة والاجتناب عن المزلق والمدحض ، وبه يحصل الامن والراحة باستعمال البدن وإرضاء النفس ، كما أنّ موقد نار الدين يستعمل قلبه ويرضى ربه؟
وأنت [إذا] تدبرت صفات النار وجدت المشابهة بينه وبين الايمان والدين من وجوه أخر أيضا : ككونها مخلّصة للذهب من بين الاجناس التي يغشّ بها محرقة للامور الغير الثابته الباقيه ، وككونها مؤلمة للبدن الغريب ويعيش فيها (١) السمندر على المشهور ، وكذا الدين والايمان مخلص للخلّصين الممتحنين محرق لغيرهم بالنار الباقية ، ومؤلمة للمبتدئ بحيث يفرّ منه فرار الجبان من الاسد الشاكي ، ويعيش فيها أهله عيشا هنيئا ، ويحيون به حياة طيّبة بعد موتهم بالموت الاختياريّ ، كما أنّ النّار تفني الصورة الاولى وتحدث صورة أخرى ، وهذا حقيقة الموت بالمعنى الشامل للمعادن وغيرها ، إلى غير ذلك ممّا يظهر بالتأمّل.
ولعلّه لما ذكر وأشباهه ظهر الدين بصورة النار في العالم الاوّل حيث عرض على النّاس الدخول فيها. وفي القيامة حين يعرض جماعة ممّن لم يتمّ عليهم الحجّة على نار ، ويؤمرون بالدخول فيها ، فمن دخل كان عليه سلاما على ما يظهر من الاخبار المذكورة في محلّه. والاعتبار يقضي بكونه صورة الدين في كلا العالمين. وربّما يظهر في صورة النار في المنامات الصحيحة الواقعة من أهل التقوى الباطنيّة.
__________________
(١) في المخطوطة : «فيه».