أدّاك إلى أنّه ممّا استجمع فيه هذه الصفات بأسرها باعتبار ظهور النور والهداية على ما سبق ، واندفاع برودة الطبع به بحصول الشوق والرغبة والمحبّة وغيرها به ، وانضاجه النفس الحيوانيّة التي ليست بمنضجة ، وتلطيفه الطبع الكثيف ، وتأليفه بين الاشخاص المتباينة بجامع المشاركة في الدين ، وبين الاعمال المختلفة المتضادّة المرتبطة كلّ منها إلى جزء من مصالح الدّنيا والآخرة بجامع الاخلاص ووحدة الغاية والداعي ، وبين العقل والنفس والقوى والاعضاء بالعدل بينها وسلوكها كلّا إلى الصراط المستقيم ، وإحالته النفس التي يتشبّث بها من مقام الامّارة إلى اللّوّامة والمطمئنّة ، وتصعيده الارواح التي تتشبّث بها إلى العالم الاعلى ؛ كما ورد في صفة طائفة : «أنّهم صحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملأ (١) الاعلى» في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام (٢) على ما ببالي.
وإن شئت مزيد بيان للمشابهة بين الدين والنار فانظر إلى كلامه عليهالسلام في صفة من يصفه نفسه على ما حكي عن نهج البلاغة :
«قد أحيا عقله وأمات نفسه ، حتّى دقّ جليله ولطف غليظه وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب إلى باب السلامة ودار الاقامة ، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الامن والراحة ، بما استعمل قلبه ، وأرضى ربّه.» (٣)
فانظر إلى هذه الصفات ، وقايسه إلى صفات النار ، أو ليست النار تميث
__________________
(١) خ. ل : «بالمحل».
(٢) فقرة من كلامه ـ عليهالسلام ـ لكميل بن زياد النخعي (قده) ، راجع نهج البلاغة ح ١٤٧ ، ص ٤٩٧.
(٣) نهج البلاغة ، خ ٢٢٠ ، ص ٣٣٧.