الكلام حينئذ مبالغات من جهة مادّة الصيّب ؛ الاولى ، لأنّ الصاد من المستعلية والياء مشدّدة ؛ والمادّة الثانية ، لأنّ الصوب فرط الانسكاب والوقوع ؛ ومن جهة الصورة ، لأنّ فيعلا صفة مشبّهة دالّة على الثبوت ؛ ومن جهة العارض ، لأنّ التنكير للتعظيم والتهويل ، وأمدّ ذلك بقوله : «من السماء» دلالة على أنّه مطبق لا يختصّ بسماء دون سماء.
وقال بعضهم (١) : «إنّ في ذكر السماء هنا دلالة على أنّ السحاب من السماء ينحدر ، ومنها يأخذ ماءه ، لا كزعم من يزعم أنّه يأخذه من البحر.» وأيّده قوله سبحانه : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ.)(٢).
وفيه أنّه مبنيّ على حمل السماء على الجوهر المحيط بالارض دون مطلق ما علا وأظلّ ، على أنّ المراد من كونه من السماء كون انحداره منه بأن يكون الماء نازلا من السماء نزولا ظاهريّا كنزول المطر من السحاب ، لا مطلق كون السماء مبدء له بأن يكون دورانه أو إلقاء شعاع ما فيه على الاجسام الرطبة معدّا لتكوّنه ونزوله ، ولا أن يكون النزول معنويّا بأن يكون له نحو وجود وثبوت في ملكوت السماء وباطنه مقدّما على ظهوره وتحقّقه عندنا ، فينزل منه إلينا ، كما لعلّه المراد من قوله سبحانه : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(٣) ومن قوله سبحانه : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)(٤).
وستعرف الحال في ذلك المطلب ممّا سيمرّ عليك في خلال التفسير ـ إن شاء الله تعالى ـ.
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) النور / ٤٣.
(٣) الذاريات / ٢٢.
(٤) السجدة / ٥.