ثمّ اعلم أنّ حقيقة نداء الحقّ سبحانه الناس يقع عليهم على حسب درجاتهم في كمال الانسانيّة وضعفها ، فكلّ من كان أكمل في الانسانيّة كان أخصّ بالنداء ، وكان أشدّ تأثّرا من النداء ، وظهور أثره عليه أكثر ، واختصاصه بالمخاطبة أشدّ. و «إنّما يعرف القرآن من خوطب به» كما ورد في الرواية (١) فربّما يصحّ القول بأنّ كلّ ذي مقام من المقامات له مرتبة من مراتب مخاطبات القرآن على قدر ما يسعه بصيرته وإدراكه إلى أن يصل إلى مقام الانسان الكامل من جميع الوجوه ، فهو المخاطب بالمجموع العارف به.
وببالي أنّه ورد في الاخبار أنّه : «ما كان الله ليخاطب الناس بما لا يعلمون» أو قريبا من ذلك. والاعتبار والاستبصار يشهدان على اختصاص كلّ منهم على مقدار قابليته. وكيف يصحّ مخاطبة من ليس من شأنه إدراك الخطاب بين المتخاطبين؟
وأمّا ما اشتهر بين الاصوليين منّا وثلة من العامّة من اختصاص الخطابات الشفاهيّة القرآنيّة بالموجودين في ذلك العصر ، بل بالحاضرين دون الغائبين عند جماعة منهم ، فهو على تقدير تسليمه منزل على اختصاص صوريّ لصورة المخاطبة اللفظيّة الظاهريّة ، لا اختصاص الخطاب الواقعيّ وحقيقة القرآن بهم ، مع انعدام ما يوجب التفرقة. ويشهد له ما ورد في الاخبار قوله عقيب مواضع من ألفاظ القرآن ، كقول : «لبّيك ربّنا» إذا مرّ ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) على ما رواه الشيخ عن الصادق عليهالسلام (٢) بطريق لا يخلو عن اعتبار وغير ذلك.
__________________
(١) قد تقدمت فى المقدمات ، فراجع.
(٢) تقدم سابقا.