التصوير بعد الايجاد ثالثا. فالله تعالى خالق من حيث هو مقدر ، وبارئ من حيث هو مخترع ، وموجد ومصور من حيث أنّه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب» (١).
وقال غيره : «الخالق هو المقدر لما يوجده ، والبارئ المميّز بعضه عن بعض بالاشكال المختلفة ، والمصور الممثّل» (٢).
وأمّا ما ذكره في الكشّاف هنا من أنّ : «الخلق هو إيجاد الشيء على تقدير واستواء ؛ يقال : خلق النعل إذا قدرها وسواها بالمقياس» (٣) ، فلعلّه أراد بذلك جعل الشيء ذا مقدار واستواء وتصييره كذلك ، فيكون في معنى التقدير مرادفا له إن عمّم الوجود بالخارجيّ والذهني ، فانّ جعل المقدار للشيء وتقديره إمّا في مقام التصوير في الوجود الذهني ، أو في الاعيان والخارج في الوجود الخارجي ، وسائر أنحاء الوجود بمنزلة أحدهما هنا.
وأمّا ما سبق من إثبات التميّز للأعيان الثابتة قبل وجودها فهو وراء أنظار أهل العربيّة واللّغة ، وأخصّ منه أن خصص بالوجود الخارجى. ولعلّه باعتبار استظهار أنّه المراد من لفظ الخلق في الآية ، ويشهد لما ذكر ذيل كلامه ؛ إذ ليس في القول المذكور اعتبار الايجاد بل التقدير والتسوية كما ذكره أيضا.
وقال ابن بابويه في توحيده بعد أن ذكر أنّ الخلق في اللّغة تقديرك الشيء مستشهدا بأنّه يقال في مثل : «إنّي [إذا] خلقت فريت لا كمن يخلق ولا يفري ، وفي قول أئمّتنا عليهمالسلام : إنّ أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، وخلق عيسى من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير أيضا ، ومكون الطير وخالقه في
__________________
(١) راجع مجمع البحرين ، ذيل كلمة «خلق».
(٢) نفس المصدر.
(٣) الكشاف ، ج ١ ص ٤٥.