الحقيقة هو الله عزوجل» (١). انتهى.
ولمّا كان الظاهر من تقدير الشيء وجعل المقدار له هو التقدير في الخارج ، وكان ذلك ملازما للوجود لا انفكاك بينهما من الطرفين ؛ إذ ما لم يوجد في الخارج لم يكن له مقدار فيه ، وكلّ موجود في الخارج ممّا يصلح لعروض المقدار له بالمعنى العرفيّ فهو ذو مقدار في الخارج ولا يوجد بدونه ، وكان الايجاد والتقدير أمرا وحدانيّا في الخارج لا تمايز بينهما إلا بحسب الاعتبار ، شاع إطلاق لفظ الخلق على الايجاد ، بحيث صار كأنّه المتبادر من لفظ الخلق عند الاطلاق. بل لا يبعد صيرورته حقيقة عرفية في ذلك ، وكونه منقولا إليه.
ومن ذلك البيان يظهر الوجه في تخصيص الخلق بالعالم المقداري ، وقصره على ذوات المقادير والهيئات في مقابلة عالم الامر المجرد عن المقادير والاشكال ، وإن كان ربّما يطلق على غيره كالعقل أيضا اسم الخلق.
ويظهر لك وجه الجمع بين الكلمات المتقدمة وبين العرف ومجاري إطلاقات لفظ الخلق الظاهرة في إرادة الايجاد منه. ولعلّ إلى حاصل ما تقدم يشير عبارة الكشّاف المتقدمة.
ثمّ إنّه ذكر في الكشّاف بعد السؤال عن المراد «بربّكم» أنّه : «كان المشركون معتقدين ربوبيتين ؛ ربوبيّة الله ، وربوبية آلهتهم ، فان خصوا بالخطاب فالمراد به اسم مشترك فيه ربّ السموات والارض والالهة التي كانوا يسمونها أربابا. وكان قوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة موضحة مميّزة ، وإن كان الخطاب للفرق جميعا ، فالمراد به ربّكم على الحقيقة ، و (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة جرت عليه على طريق المدح والتعظيم ، ولا يمتنع هذا الوجه في خطاب الكفرة خاصة إلا أنّ الاول أوضح وأصح» (٢).
__________________
(١) راجع التوحيد ، باب أسماء الله تعالى ، ص ٢١٦.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٤٥.