وقال بعض الافاضل في بيانه : «أنّه لا خفاء في أنّ قولنا للعبيد : «عظّموا سيّدكم» أمر لهم بتعظيم من يعتقدون أنّه سيّدهم ، فقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا) إن كان خطابا لجميع الفرق فالمراد ب «ربكم» هو الله ، لأنّه المتفق على ربوبيّته فيما بينهم ، فيكون (الَّذِي خَلَقَكُمْ) صفة مادحة ، وإن كان خطابا للمشركين فيحتمل أن يكون المراد هو الله تعالى ويكون الصفة مادحة ؛ لأنّهم يعتقدون أنّه ربّ الارباب ، وأنّ آلهتهم شفعاء عند الله ، وأن يكون المراد مالككم وإلهكم ، ونحو ذلك ممّا يصدق على الاله الحق وعلى آلهتهم الباطلة. فيكون الصفة مخصصة ، إلا أنّ إطلاق الربّ على غير الله كان شائعا متعارفا فيما بينهم ، حتّى أنّ السحرة لمّا قالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) دفعوا الاحتمال بقولهم : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ). والتخصيص والتوضيح هو الاصل في الصفة ، فلهذا كان هذا الوجه أوضح وأصحّ».
أقول :
قد تقرر في علم الاصول أنّ الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة النفس الامريّة ، لا ما يعتقده المخاطب أنّه معنى للفظ إذا كان خطائه في المصداق ، بل مطلقا وإن كان ربّما يطلق اللّفظ على ما توهمه المخاطب مصداقا للفظ ، كما هو الظاهر في قوله سبحانه : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً)(١). لكنّه خلاف الاصل لا يصار إليه إلا بدليل ، بل مقتضى إصالة الحقيقة وإبقاء الالفاظ على حالها وترك التصرف فيها أن يراد باللّفظ معناه الواقعيّ بمصاديقه الواقعيّة ، سواء كان للمخاطب اعتقاد مطابق للواقع أو مخالف له ، أو لم يكن له اعتقاد أصلا.
وأمّا ما ذكره من أنّ «قولنا : عظموا سيدكم ، أمر لهم بتعظيم من يعتقدون أنه سيّدهم» ، ففيه أنّه لا خفاء في أنّه بنفسه ليس كذلك ، بل هو أمر لهم بتعظيم
__________________
(١) طه / ٩٧.