حتّى يكون السابقين ، الآباء والامّهات بالنسبة إلى الابناء ، فالوجه في مدخليّته هنا ظاهرا ؛ إذ خلق الاصول من مقدمات خلق الفروع ، فهو نعمة على الفروع ولو بالواسطة ، بل الانعام على الآباء موجب لشكر الابناء ؛ كما ربّما يشير إليه قوله : (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ)(١) وجملة من المخاطبات الواردة على بني إسرائيل باعتبار الانعام على آبائهم وغير ذلك. ويمكن إدخاله في بيان تفرد الحقّ سبحانه في مقام خلق الابناء حيث أنّه لو لم يكن خالقا للأصول لم ينحصر الشؤون المتعلّقة بالخلق فيه سبحانه ، بل لخالق الاصول أو لأنفسها نصيب من هذا المقام ، فلمّا بيّن خلقه لهم ظهر اختصاص الحقّ سبحانه بهذه الحيثية ، وأنّه ليس لغيره نصيب فيها ، ولا له شائبة من استحقاق المعبودية من تلك الجهة.
وإن أخذ القبلية زمانية محضة كان ارتباطه بمقام الامر بالعبادة باعتبار أنّ خالق جميع الاشخاص السابقة واللاحقة أحق بأن يعبده بعض مخلوقيه مما يفرض متفردا بخلق الواحد ، كما نبهنا على نظيره في الربوبية.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ حق الله سبحانه على المخلوقين من حيث إعطاء الخلق لمّا ظهرت في هذا العالم بتوسط الابوين فصارا واسطتين ومجرائين له ، استقر حكم العقلاء باثبات الحق لهما على الولد ، وأنه ينبغي له مراعاتهما والخضوع لهما والتبعية لهما ، ولو لم يكن لهما إحسان اختياري إليه أصلا ، وكان المتكفل لتربية الولد شخص أجنبيّ لم يكونا سببين في تربيته ، مع أنهما لم يتوسطا إلا لقضاء شهوة استولت عليهما وحداهما وبعثهما إلى الافعال التي أجرى الله بها خلق الولد من دون أن يكونا قاصدين ليكون الولد في كثير من الاوقات ، بل ربما يكونان قاصدين لخلافه ، كارهين لتكونه لأسباب وهمية وجهات خيالية ، فكيف يكون
__________________
(١) النمل / ١٩ ؛ والاحقاف / ١٥.