الغائيّة الصلوحيّة لا الغائيّة الاستلزاميّة الجزميّة ؛ إذ لا يساعده العرف.
وحينئذ فنقول : إنّ علم الحقّ سبحانه للأشياء لمّا كان محيطا بمراتب الامكانات الذاتيّه والاستعداديّة على درجاتها ، والفعليات وما نسبته إلى آخر بالصلوح والامكان ، وما نسبته إليه نسبة اللّزوم أو الامتناع. وإلى ما له غاية يصل إليها على وجه التحتم من حيث ملاحظة ذي الغاية ، وإلى ما له غاية صلوحيّة من شأنه الوصول إليها على اختلاف درجات الشأنيّة ، وكان البيان واللّفظ تابعا للمعلومات مظهرا لها على حسب حالها ، لزم أن يعبّر عمّا عدا الفعليات واللّزوميات والغايات المحقّقة بكلمة تدلّ على ذلك الصلوح والشانيّة والامكان والغاية الاحتماليّة ليعلم السامع هذه المرتبة العلميّة. فمن جملتها كلمة «لعلّ» في مقام الغائيّة الاحتماليّة ، وفي مقام بيان كون الخبر في معرض الوقوع ومن شأنه ذلك ، بحيث إذا نظر إلى ذلك الصلوح والشأنيّة الناظر لتردد في الوقوع وعدمه.
ولعلّه إليه يرجع كلام من جعل «لعلّ» في الآية ونظائرها بمعنى : «كي» بارادته كونهم مخلوقين على وجه يصلح لترتب التقوى عليه ، وقول من قال هنا : أنّه عزوجل خلق عباده لتعبدهم بالتكليف ، وركب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلّة في إقدارهم وتمكينهم ، وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار ، وأراد منهم الخير والتقوى. فهم في صورة المرجوّ منهم أن يتّقوا لترجّح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان ، كما ترجّحت حال المرتجي بين أن يفعل وأن لا يفعل.
ويجري نظيره على تقدير جعله متعلّقا ب «اعبدوا» ، فانّ عبادة العابدين لا ينبغى أن تكون سببا لجزاهم بالنجاة من النار ، أو بحصول التقوى المعنويّة من المهلكات بحيث يتكلّمون على أعمالهم ، ويحدث فيهم حالة الامن من مكر الله سبحانه وعذابه. وإنّما هي سبب يصلح لترتب التقوى عليه ومن شأنه ذلك برحمة الله.