وإذا لاحظت أنّ لقمان صدر منه هذا الكلام لأجل أنّه حكيم ، وجرّدته عن سائر خصوصياته ، علم منه أنّ كلّ من كان حكيما فهو ينهى عن الشرك معنى ثمّ إذا جرّدت الحكيم عن كونه شخصا خارجيا ماديّا ، ولا حظت أنّ الحكمة صفة العقل هو أثقل ، وأن العقل هو الحكيم الذى يمنع عن الشرك لكونه ظلما وانّ صدور النهي عن لقمان لمكان عقله المتّصف بالحكمة ، صارت القضيّة أنّ العقل المتّصف بالحكمة ينهى عن الشرك لذلك. فالعقل لقمان يعظ بذلك ، وكلّ عاقل حكيم يعظ بذلك والمخاطب كلّ موجود له قابليّة النهي عنه متّصف بالصفات الموجبة لكون شركه ظلما من الماضين والآتين ، والمنهيّ عنه هو الشرك من حيث كونه ظلما عظيما ، فالعنوان الواقعيّ هو الظلم العظيم في أيّ مفهوم تحقّق.
وقس عليه الحال في الامور الخارجيّة ، فانّ كلّ نسبة خارجيّة يعبّر منه الكلام إنّما تحقّق لعلّة والعلّة فاعليّة وماديّة وصوريّه وغائيّة ، ولا يخلو عن إمكانات استعداديّة ومعدّات وشرائط وانتفاء موانع. والكلام الحاكي عن النسبة الخارجيّة إذا جرّدتها ، وقطعت النظر عن جميع ما لا يرتبط بتحقّق تلك النسبة الخارجية ، وأخذت بما يرتبط بتحقّقه عقلا على الميزان العقليّ ، صار الكلام الجزئيّ قاعدة كلّيّة جارية من أوّل العالم إلى آخره ، وجميع الامور الخارجيّة الجزئيّة مندرجة تحت كلّيّات معيّنة في الواقع ، لا تبديل لها أبدا ما دامت السموات والارض ، كما أنّ إعرابات الكلمات العربيّة الواقعة في ألسنة الفصحاء كلّها مندرجة تحت القواعد النحويّة ، والتكاليف الشخصيّة مندرجة تحت الاحكام الفقهيّة الكلّيّة ، والكلّيّات ثابتات ، والجزئيّات داثرات ، وللتجريد درجات ، وللقضايا الكلّيّة مراتب كلّما اتّسعت دائرة عمومه وشموله وقلّت عددا ، وكلّما نزلت تعدّدت وتضيّقت.