ولا نريد بالكلّيّ هنا المفهوم الذهنيّ الّذي يمتنع عروض الوجود العينيّ له ؛ إذ الكلّيّ إذا جاء في ظرف الخارج يصير فردا ، بل أمرا آخر يحاكيه المفهوم الكلّيّ الذهنيّ ، وهو عنوان له. وسيظهر لك تتمّة كلام فيما يتعلّق بما مرّ ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وحينئذ فيشبه أن يكون لكلّ آية مراتب من حيث المدلول بحسب عوالم مفاده ، فانّ القرآن حكاية عن الافعال والاحكام الالهيّة ، وفيه تبيان كلّ شيء ، وحينئذ فلا يبعد أن يكون حكاية القرآن عن كلّ واقعة على نحو ينطبق على جميع عوالمه ، بشرط أن يراعى في كلّ منها المعنى بحيث يناسب ذلك العالم ؛ إذ متاع البيت يشبه صاحب البيت ، وحينئذ فلا بدّ من نقل تلك القضيّة بجميع أجزائه إلى ذلك العالم ، وأخذ كلّ واحد على الوجه المناسب له ، وحينئذ فقد يكون ما هو حقيقة في هذا العالم مجازا معنويّا فى بعض العوالم ، إمّا بتوسّع في نسبة المحمول إلى الموضوع أو في غيره ، كما في نسبة القتل إلى النبيّ ، فانّه إذا لوحظ النبيّ في عالم المجرّدات يكون النبيّ هو العقل ، وعدوّه الجهل الكلّيّ ؛ لكن نسبة القتل بينهما لا يقع في نفس ذلك العالم ، بل في مظاهرهما وآثارهما كما أنّ القتل الحسّي لا يقع على الارواح ، بل على الاجسام التي هي مظاهر للارواح ، وقد يكون لفظ مجازا في عالم الشهادة ، وحقيقة في عوالم أخر ؛ كالنور والظلمة التي كثر ذكرهما في الآيات والأخبار في شأن المكلّفين ؛ كقوله تعالى :
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.)(١)
إذ الظلمات بحسب الظاهر هو الجهل بمصالحه ومفاسده ، أو ما أشبه ذلك وهو مجاز بعلاقة المشابهة ، لكنّه على معناه الحقيقيّ في عالم المثال والبرزخ وغيرهما ، وقد يكون العرض في عالم جوهرا في عالم آخر ؛ كأعمال المكلّفين ، التي
__________________
(١) البقرة / ٢٥٧.