أصحاب الظلة (١).
وقال وهب : بعث الله شعيبا إلى أهل مدين ، ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب ، وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، وكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين ، ووعظهم شعيب ، فأرسل إليه الملك ، ما تقول في ما صنعنا ، أراض أنت أم ساخط؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ : أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت ، يقال له ملك فاجر فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة.
قال الله تعالى حكاية عنهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأذوه بالنفي من بلادهم ، فسلط الله عليهم الحر والغيم ، حتى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة (٢) لهم ، وهو قوله تعالى : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلها ، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم ، وذلك قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) فلما أصاب قومه ما أصابهم ، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا (٣).
__________________
(١) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص ٦٩٣.
(٢) الغيضة : مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر.
(٣) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، ح ١٥٩.