فإن قيل : ما الفرق بين ذكره «الحقّ» هاهنا معرفا ، وبين ذكره في «آل عمران» منكرا في قوله : (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) [آل عمران : ١١٢]؟
والجواب : أن الحقّ المعلوم الذي يوجب القتل فيما بين الناس هو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحلّ دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث ، كفر بعد [إيمان](١) ، وزنى بعد [إحصان](٢) ، وقتل نفس بغير حق».
فالمعرّف إشارة إلى هذا ، والمنكّر المراد به تأكيد العموم ، أي : لم يكن هناك حقّ ألبتّة لا لهذا الذي يعرفه المسلمون ولا غيره.
فإن قيل : ما الفائدة في جمعه «الأنبياء» هنا جمع سلامة ، وفي «آل عمران» جمع تكسير؟
فالجواب : [ذلك لموافقة ما بعده من جمعي السّلامة ، وهو «النّبيّين» ـ «الصّابئين» بخلاف الأنبياء](٣) ..
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦٢)
قال ابن عباس : والمراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) هم الذين آمنوا قبل [مبعث](٤) محمد بعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ مع البراءة عن أباطيل اليهود مثل قسّ بن ساعدة ، وبحيرى الراهب ، وحبيب النّجّار ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وخطر بن مالك ، ووفد النجاشي ، فكأنه قال : إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد ، والذين كانوا على الأديان الباطلة كلّ من آمن منهم بعد مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم بالله واليوم الآخر ومحمد ، فلهم أجرهم (٥).
وقال سفيان الثوري : المراد من قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) هم المنافقون ؛ لأنهم يؤمنون باللّسان دون القلب ، ثم اليهود والنصارى والصّابئون ، فكأنه قال : هؤلاء المبطلون كل من آمن منهم بالإيمان الحقيقي ، فلهم أجرهم.
وقال المتكلمون : المراد أنّ الذين آمنوا بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحقيقة ، وهو عائد إلى الماضي ، ثم قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) يقتضي المستقبل ، فكأنه قال : إن الذين آمنوا في الماضي ، وثبتوا عليه في المستقبل.
و (هادُوا) في ألفه قولان :
__________________
(١) في أ : الإيمان.
(٢) في أ : الإحصان.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : بعث.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي كما في «الدر المنثور» (١ / ١٤٣).