يريد «فلينني»» ، وهذه الآية مثل قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] ، فإنه قرئت بالأوجه الثلاثة : الفكّ والإدغام والحذف ، ولكن في المتواتر.
وهنا لم يقرأ في المشهور كما تقدّم إلا بالفكّ.
ومحلّ هذه الجملة النصب بالقول قبلها.
والضمير في «قل» يحتمل أن يكون للنبي ـ عليهالسلام ـ أو لكلّ من يصلح للخطاب ، والضمير المرفوع في : (أَتُحَاجُّونَنا) لليهود والنصارى ، أو لمشركي العرب أو للكلّ.
و «المحاجّة» مفاعلة من حجّه يحجّه.
فصل في تحرير معنى المحاجّة
اختلفوا في تلك المحاجة : فقيل : هي قولهم : إنهم أولى بالحق والنبوة لتقدم النبوة فيهم ، والمعنى : أتجادلوننا في أن الله اصطفى رسوله من العرب لأمتكم ، وتقولون : لو أنزل الله على أحد لأنزل عليكم ، وترونكم أحق بالنبوة منا.
وقيل : هي قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] وقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، وقولهم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة : ١٣٥] قاله الحسن رضي الله عنه.
وقيل : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) أي : أتجادلوننا في دين الله.
وقوله : (فِي اللهِ) لا بد من حذف مضاف أي : في شأن الله ، أو دين الله.
قوله : (وَهُوَ رَبُّنا) مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، وكذا ما عطف عليه من قوله : (وَلَنا أَعْمالُنا) ولا بد من حذف مضاف أي : جزاء أعمالنا ، ولكم جزاء أعمالكم.
فصل
قوله : (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) فيه وجهان :
الأول : أنه أعلم بتدبير خلقه ، وبمن يصلح للرسالة ، وبمن لا يصلح لها ، فلا تعترضوا على ربكم ، فإنّ العبد ليس له أن يعترض على ربه ، بل يجب عليه تفويض الأمر إليه.
الثاني : أنه لا نسبة لكم إلى الله ـ تعالى ـ إلا بالعبودية وهذه النسبة مشتركة بيننا وبينكم ، فلم ترجّحون أنفسكم علينا ، بل الترجيح من جانبنا ؛ لأنا مخلصون له في العبودية ، ولستم كذلك ، وهذا التأويل أقرب.
قوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) المراد منه النّصيحة في الدين ، كأنه تعالى قال لنبيه : قل لهم هذا القول على وجه الشّفقة والنصيحة ، أي : لا يرجع إليّ من أفعالكم