قال ابن عطية : وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج ، فيظهر التّضادّ المقبح لفعلهم في الإخراج.
يعني : أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من داره أن تحسنوا إليه بالفداء.
فصل فيما أخذ الله على بني إسرائيل
قال السّدي : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة ألّا يقتل بعضهم بعضا ، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، وأيّما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه ، وكانت «قريظة» حلفاء «الأوس» ، «والنضير» حلفاء «الخزرج» ، وكانوا يقتلون في حرب سنين ، فيقاتل «بنو قريظة» مع حلفائهم ، «وبنو النضير» مع حلفائهم ، وإذا غلبوا خربوا ديارهم ، وأخرجوهم منها ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه ، وإن كان الأسير من عدوّهم ، فتعيّرهم العرب ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، فيقولون : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنا نستحي أن تذلّ حلفاؤنا ، فعيّرهم الله تعالى ، فقال: (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ).
وفي الآية تقديم وتأخير ، ونظمها : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ، وهو محرم عليكم إخراجهم ، وإن يأتوكم أسارى تفادوهم فكان الله ـ تعالى ـ أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتال ، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم ، وفداء أسرائهم ، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء ، فقال عزوجل : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة : ٨٥].
وقال مجاهد : يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك (١).
قوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ) فيه وجوه.
والظاهر منها : أن يكون «هو» ضمير الشأن والقصّة ، فيكون في محلّ رفع بالابتداء ، و «محرم» خبر مقدم ، وفيه ضمير قائم مقام الفاعل ، و «إخراجهم» مبتدأ مؤخر ، والجملة من هذا المبتدأ والخبر في محل رفع خبرا لضمير الشأن ، ولم تحتج هنا إلى عائد على المبتدأ ؛ لأن الخبر نفس المبتدأ أو عينه.
وهذه الجملة مفسرة لهذا الضمير ، وهو أحد المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده وقد تقدّمت ، وليس لنا من الضّمائر ما يفسّر بجملة غير هذا الضمير ، ومن شرطه أن يؤتى به في مواضع التّعظيم ، وأن يكون معمولا للابتداء أو نواسخه فقط ، وأن يفسر بجملة مصرح بجزئيها ، ولا يتبع بتابع من التّوابع الخمسة ، ويجوز تذكيره وتأنيثه مطلقا خلافا لما فصل ، فتذكيره باعتبار الأمر والشأن ، وتأنيثه باعتبار القصّة فتقول :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٣٠٩) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.