(هذا) (١) السؤال في تفسيره وفي هذا الجواب نظر فإن السموات ليس فيها موضع خال من الملائكة لقوله ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : «أطّت السّماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع قدم إلّا وفيه ملك قائم أو ساجد» (٢) ، قال ابن الخطيب : ولقائل أن يقول : إنهم إذا صعدوا إما أن يصلوا إلى مواضع (الملائكة) (٣) وإلى غير (تلك) المواضع فإن وصلوا إلى مواضع الملائكة احترقوا (٤) وإن وصلوا إلى غير مواضع الملائكة لم يفوزوا بمقصود أصلا وعلى كلا التقديرين فالمقصود غير حاصل. وإذا كان الفوز بالمقصود محالا وجب أن يمتنعوا عن هذا الفعل وألا يقدموا عليه أصلا بخلاف حال المسافر في البحر فإن الغالب عليهمالسلامة والفوز بالمقصود وأما ههنا فالشيطان الذي يسلم من الإحراق إنما يسلم إذا لم يصل إلى مواضع (٥) الملائكة وإذا لم يصل إلى ذلك الموضع لم يفز بالمقصود فوجب أن لا يعود إلى هذا العمل البتة والأقرب في الجواب أن يقال هذه الواقعة إنما تتفق في الندرة (٦) فلعلها لا تشتهر بسبب ندرتها فيما بين الشياطين. والله أعلم (٧). فإن قيل : دلتنا التواريخ المتواترة على أن حدوث الشهب كان حاصلا قبل مجيء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (ولذلك) (٨) فإن (٩) الحكماء الذين كانوا موجودين قبل مجيء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بزمان طويل ذكروا ذلك وتكلموا في سبب حدوثه وإذا ثبت أن ذلك كان موجودا قبل مجيء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ امتنع حمله على مجيء النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أجاب القاضي (١٠) بأن الأقرب أنّ هذه الحالة كانت موجودة قبل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولكنها كثرت في زمان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فصارت بسبب الكثرة معجزة (١١).
فإن قيل : الشيطان مخلوق من النار كما حكي عن قول إبليس (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ) [الأعراف: ١٢] وقال : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) [الحجر : ٢٧] ولهذا السبب يقدر على الصعود إلى السموات وإذا كان كذلك فكيف يعقل إحراق النار بالنار؟.
فالجواب : يحتمل أن الشياطين وإن كانوا من النّيران إلا أنّها نيران ضعيفة ونيران الشهب أقوى حالا منهم ولا جرم صار الأقوى للأضعف مبطلا ، ألا ترى أن السراج
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) رواه أبو هريرة. وهو في ابن ماجه باب الزهد ٢ / ١٣٨٨.
(٣) سقط من ب. وهي في الرازي.
(٤) كذا في الرازي ، وفي ب : أحرقوا.
(٥) كذا في الرازي وفي ب : موضع بالإفراد.
(٦) كذا في الرازي وفي ب : القدرة وهو تحريف.
(٧) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٢١.
(٨) زيادة من ب.
(٩) في ب : قال بدل فإن.
(١٠) هو عبد الجبار بن أحمد بن الخليل أبو الحسن الهمذاني وهو الذي تلقبه المعتزلة قاضي القضاة كان إمام أهل الاعتزال له من التصانيف التفسير. روى عنه القاضي أبو يوسف مات سنة ٤١٥ بالرّيّ ودفن في داره. انظر : طبقات الداودي ١ / ٢٦٣.
(١١) انظر الرازي ٢٦ / ١٢١.