مرتب (١) على ذلك النداء والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معلّلا به. وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة ثم إنه تعالى لما بين أنه نعم المجيب بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة بقوله : (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ). والكرب : هو الخوف الحاصل من الغرق والكرب الحاصل من أذى قومه (٢)(وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) وذلك يفيد الحصر وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فنوا ، قال ابن عباس : ذريته بنوه الثلاثة سام وحام ويافث. فسام أبو العرب وفارس (٣) ، وحام أبو السودان (٤) ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج (٥) ، قال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة مات (٦) من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم.
قوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أي أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة (٧).
قوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) مبتدأ وخبر ، وفيه أوجه :
أحدها : أنه مفسر «لتركنا».
والثاني : أنه مفسر لمفعوله ، أي تركنا عليه ثناء وهو هذا الكلام (٨) ، وقيل : ثمّ قول مقدر أي فقلنا سلام (٩).
وقيل : ضمن تركنا معنى (١٠) قلنا ، وقيل : سلط «تركنا» على ما بعده (١١). قال الزمخشري : وتركنا عليه في الآخرين «هذه الكلمة» وهي (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) يعني يسلمون عليه تسليما ويدعون له ، وهو من الكلام المحكيّ كقولك : «قرأت سورة أنزلناها» (١٢).
__________________
(١) في ب : يترتب. وهو المخالف للرازي.
(٢) قاله الإمام القرطبي في الجامع ١٥ / ٨٩.
(٣) والروم.
(٤) من المشرق إلى المغرب السّند والهند والنوبة والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم. انظر المرجع السابق والسودان يوافق التفسير وفي ب السواد.
(٥) والصقالبة. انظر : المرجع السابق وانظر : الرازي ٢٦ / ١٤٥ والخزر : قال عنه صاحب اللسان «جيل خزر العيون وفي حديث حذيفة : كأني بهم خنس الأنوف خزر العيون ، والخزرة انقلاب الحدقة نحو اللحاظ». انظر : اللسان «خ ز ر» ١١٤٨ وفي ب الخزرج لا الخزر.
(٦) في ب : مرات. وهو تحريف.
(٧) قاله الزجاج ٤ / ٣٠٨.
(٨) قال بهذين الوجهين أبو البقاء في التبيان ١٠٩٠.
(٩) السابق وهو رأي الكسائي وانظر : مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ وتفسير النحاس ٤ / ٤٢٧.
(١٠) التبيان المرجع السابق.
(١١) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٤٣.
(١٢) السابق وانظر الرأيين الأخيرين في القرطبي ١٥ / ٩٠ والرأي الأخير في البحر ٧ / ٣٦٤ والآراء كلها في السمين ٤ / ٥٥٨.