فحدثني هشام بن الحكم وحماد ، عن زرارة قال : قلت في نفسي : شيخ لا علم له بالخصومة) قال زرارة : (النار لا يدخلها إلا كافر) صادق بدون الاستثناء ، ولا يثبت الحاجة إليه إلا بإبطال قوله وبيان فساده ، ولما تكرر الكلام ولم يبين عليهالسلام فساده ، أساء زرارة وأضمر بأنه شيخ لا علم له بالخصومة والمناظرة ، إذ لا بد في مقام المناظرة وإثبات المدَّعى من إبطال قول الخصم وبيان فساده ، فلما علم عليهالسلام ما أضمره تصدى لبيان فساد قوله بمقدمة مسلَّمة عنده ، وهي أن ضعفاء المسلمين الذين ليس لهم معرفة بالدين ، وهم مُقِرّون بحكمه ، مندرجون تحت يده وقدرته ، وأن خدمه وأهليه المستضعفين غير مؤمنين عنده ولا كافرين ، لأنه لا يجوز قتلهم ، ولو كانوا كافرين لجاز ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، وهو كفر هؤلاء ، يستحقون النار بزعمه ، فلزم من ذلك أن النار لا يدخلها إلا كافر على الإطلاق ليس بصحيح ، بل لا بد من التقييد بالاستثناء كما ذكره عليهالسلام ، وهذا ما نقله زرارة عنه عليهالسلام. (قال : فقال لي : يا زرارة ما تقول فيمن أقرَّ لك بالحكم أتقتله؟) إشارة إلى القسم الأول ، (ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟) إشارة إلى القسم الثاني ، والهمزة للإنكار ، ويحتمل أن يكون (ما تقول في خدمكم) بياناً لما قبله ، والغرض على التقديرين تقريره بأن هؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا كافرين. (قال : فقلت : أنا والله الذي لا علم لي بالخصومة) قال ذلك لصيرورته مغلوباً بما لديه ، ومخصوماً بما عنده وهو عليه (١).
قلت : ومنه يتضح أن قول زرارة : (إن الإمام لا علم له بالخصومة) إنما كان مجرد خاطر في ذهنه ، وهو من الخواطر التي قد تخطر في الذهن لسبب ما وتزول بسرعة ، ولا يؤاخذ عليها ، فلما أوضح الإمام عليهالسلام لزرارة وجه المسألة ، عرف زرارة أنه هو الذي لا علم له بالخصومة ، فلا إشكال في الحديث ، ولا وجه للطعن في زرارة بسبب أمثال هذه الخواطر.
أو لعل ذلك قد صدر من زرارة في أول ملاقاة له مع الإمام الباقر عليهالسلام وقبل
__________________
(١) شرح المازندراني ١٠ / ٥٩.