وما نقلناه من أقوال أئمة المذاهب وغيرهم كافٍ في التحقق من أن الإشهاد والإعلان ليسا مقوِّمين لحقيقة النكاح ، وأن القول باشتراطهما مرتبط بتمامية الدليل الدال عليهما ، لا لكون الإشهاد مقوِّماً لماهية النكاح.
وأما ما يرتبط برضا الولي فقد قلنا فيما مرَّ إنه لا يحل التزويج بالبكر من دون إذن وليها ، سواء أكان النكاح دواماً أم متعة ، وأما المرأة الثيب فهي تملك نفسها في النكاحين من غير فرق.
وصحة النكاح من غير ولي مسألة اختلف فيها أئمة أهل السُّنة على أقوال.
قال صاحب رحمة الأمة : ولا يصح النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بولي ، فإن عقدت المرأة النكاح لم يصح. وقال أبو حنيفة : للمرأة أن تزوِّج نفسها ، وأن توكِّل في نكاحها إذا كانت من أهل التصرف في مالها ، ولا اعتراض عليها إلا أن تضع نفسها في غير كفء ، فيعترض الولي عليها. وقال مالك : إن كانت ذات شرف وجمال ومال يُرغَب في مثلها لم يصح نكاحها إلا بولي ، وإن كانت بخلاف ذلك جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها. وقال داود : إن كانت بكراً لم يصح نكاحها إلا بولي ، وإن كانت ثيباً صح (١).
قلت : فعلى قول أبي حنيفة في المرأة الرشيدة ، وداود في المرأة الثيب ، ومالك في غير المرأة ذات الشرف والمال والجمال ، يصح عقد النكاح من غير ولي ، وهذا الاختلاف دليل على أن رضا الولي ليس مقوماً لحقيقة النكاح.
وأما التوارث فلا يدخل أيضاً في حقيقة النكاح ، لحكمهم بصحة النكاح من غير توارث فيه ، ولهذا جوَّزوا التزويج بالكافرة الكتابية ، مع أنهم لم يجوزوا التوارث بين المسلم والكافر ، فلا المسلم يرث الكافر عندهم ، ولا الكافر يرث المسلم.
أما جواز التزويج بالكتابية فقد أجمعوا عليه.
__________________
(١) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص ٣٨٨.