قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : (لئن كانت أحلتها له) أي إن كانت امرأته جعلت جاريتها حلالاً ، وأذنت له فيها ، (لأجلدنّه مائة) وفي رواية أبي داود : (جلدتك مائة). قال ابن العربي : يعني أدَّبته تعزيراً ، أو أبلغ به الحد تنكيلاً ، لا أنه رأى حدّه بالجلد حداً له. قال السندي بعد ذكر كلام ابن العربي هذا : لأن المحصن حدّه الرجم لا الجلد ، ولعل سبب ذلك أن المرأة إذا أحلَّت جاريتها لزوجها فهو إعارة الفروج ، فلا يصح ، لكن العارية تصير شبهة ضعيفة ، فيُعزَّر صاحبها انتهى (١).
ولأجل أن المحصن حدّه الرجم والحديث ظاهره يدل على خلاف ذلك ، وقع أهل السنة في خلط وخبط ، وأراحوا أنفسهم بالإعراض عنه وترك العمل به.
قال الترمذي : وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته ، فروي عن غير واحد من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، منهم علي وابن عمر أنّ عليه الرجم ، وقال ابن مسعود : ليس عليه حدّ ، ولكن يُعزَّر. وذهب أحمد وإسحاق إلى ما روى النعمان ابن بشير عن النبي صلىاللهعليهوسلم (٢).
قلت : والإشكال المهم في الحديث هو أنه إذا كان التحليل غير مشروع في الدين ولا أثر له ، فكيف حصل به دفع الحدّ عمن وقع على جارية امرأته ، ووجب الاكتفاء بتعزيره؟
هذا مع أن عروض الشبهة حينئذ يقتضي دفع التعزير عنه أيضاً ، فلم وجب تعزيره؟!
وهذا دليل واضح على أن التحليل كان معروفاً عندهم ، وأنه كان جائزاً في الدين ، فيجوز للمرأة أن تحلِّل جاريتها لزوجها يصيب منها ما يشاء.
إلا أن هذه المرأة لما جاءت تشكو زوجها أنه وقع على جاريتها ، فقد عُرِف أنها
__________________
(١) تحفة الأحوذي ٥ / ١١.
(٢) سنن الترمذي ٤ / ٥٥.