لم تحلِّلها له ، وإلا لو حلَّلتها له لما جاءت تشكوه ، لكن النعمان بن بشير حكم بأنها إن كانت أحلَّتها له فيما مضى فلعلّه وطأها بشبهة التحليل السابق فيُعزَّر ، لاستخفافه بالإقدام على وطء الجارية من غير يقين بالحلّية ، وإن لم تكن حلَّلتها له فيما مضى ، فهو زانٍ يجب رجمه ، لكونه محصَناً.
ومما قلناه يتضح أن الحديث يدل على جواز تحليل الأمة ، ولهذا ذهب إلى جواز التحليل جمع من أعلام أهل السنة.
فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عطاء أنه قال : كان يُفعل ، يُحِلّ الرجل وليدته ـ أي جاريته ـ لغلامه وابنه وأخيه وأبيه والمرأة لزوجها ، وما أحب أن يفعل ذلك ، وما بلغني عن ثبت ، وقد بلغني أن الرجل يُرسِل وليدته إلى ضيفه (١).
قلت : لا ريب في أن عطاء لم يكن يتحدَّث عن أحوال الروافض ، وإنما كان يتحدث عما يصنعه أهل السنة في ذلك الوقت ، وقوله : (كان يُفعل) ظاهر في أن التحليل كان متعارفاً عندهم ، يعملونه من غير نكير بينهم.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاوس أنه قال : هي أحل من الطعام ، فإن وَلَدَتْ فولدها للذي أُحلّتْ له ، وهي لسيِّدها الأول.
وعن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاوساً يقول : قال ابن عباس : إذا أحلَّت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليُصِبْها ، وهي لها ، قال ابن عباس : فليجعل به بين وركيها (٢).
__________________
(١) المصنف لعبد الرزاق ٧ / ١٦٩. المحلى لابن حزم ١٢ / ٢٠٦.
(٢) قال ابن حزم في المحلى ١٢ / ٢٠٨ : أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاوس في غاية الصحة ، ولكنا لا نقول به ، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قلت : مراده أن القول بالتحليل منقول بسند في غاية الصحة عن ابن عباس وطاووس ، ولكن ابن حزم لا يقول به ، لأن قولهما ليس حجة في نفسه ، وهذا من مهازلهم فإنهم يأخذون بقول الصحابي متى شاءوا ، ويتركونه متى شاءوا من غير ضابطة صحيحة.