كان عنده وعاءان من العلم بثَّ أحدهما وكتم الآخر.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عنه أنه قال : حفظتُ من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثْتُه ، وأما الآخر فلو بثثْتُه قُطع هذا البلعوم (١).
فإذا صحَّ عندهم مثل هذا في حق أبي هريرة فكيف لا يصح مثله على الأقل في حق علي عليهالسلام الذي صحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ نعومة أظفاره إلى أن التحق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جوار ربه ، بينما لم تزد صحبة أبي هريرة أكثر من ثلاث سنين قضى أكثرها في البحرين؟! (٢)
ولا سيما أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان شديد الحرص على تحصيل العلوم ، فكان يسأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمور الدين والدنيا ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يحرص على تعليمه كما أخرج الترمذي وحسَّنه عن عبد الله بن عمرو بن هند الحبلي ، قال : قال علي : كنت إذا سألتُ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعطاني ، وإذا سكتُّ ابتدأني (٣).
وأخرج ابن سعد عن علي عليهالسلام أنه قيل له : ما لَك أكثر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حديثاً؟ فقال : إني كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكتُّ ابتداني (٤).
فهل يبقى بعد هذا كله استبعاد أو غرابة في أن يملي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمير المؤمنين عليهالسلام صحيفة جامعة في الحلال والحرام ، ولا سيما أن بعض الأحاديث الصحيحة قد نصَّت على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن يكتب للأمّة كتاباً ، فحِيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب؟
فقد أخرج البخاري ـ واللفظ له ـ ومسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن ابن
__________________
(١) صحيح البخاري ١ / ٦٤.
(٢) أخرج البخاري في كتاب المناقب ، باب علامات النبوة ٤ / ٢٣٩ ، بسنده عن أبي هريرة ، قال : صحبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث سنين لم أكن في سِنّي أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن.
(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٤٠.
(٤) الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣٨. ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام من تاريخ دمشق ٢ / ٤٥٦.