المؤمنين عليهالسلام ، بعد ما حيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب ، فكتب علي عليهالسلام من إملائه صلىاللهعليهوآلهوسلم صحيفة جامعة مشتملة على كل أحكام الدين من الحلال والحرام.
ثمّ إنهم رووا أن ابن عباس كان عنده حمل بعير كتباً فيما أخرجه ابن سعد في الطبقات عن موسى بن عقبة ، قال : وضع عندنا كُريب حِمْل بعيرٍ أو عِدْل بعيرٍ من كتب ابن عباس ، قال : فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه : ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا. قال : فينسخها ، فيبعث إليه بإحداها (١).
فلا أدري لِمَ لا يستعظمون أمثال هذه الأمور عند ما تُنسَب إلى كل الصحابة ولا ينكرونها ، ويستعظمون أمثالها إذا نُسبَت لعلي بن أبي طالب عليهالسلام وينكرونها؟
وأما مسألة كتمان العلم التي أشكل بها الكاتب فليست بمحرَّمة على إطلاقها ، فإن العقل والنقل يدلّان على رجحان كتمان العلم عن غير أهله ، وعند عدم النفع في إظهاره ونشره ، كما يدلّان على وجوبه حال الخوف على النفس أو المال أو العرض ، ولهذا لم يعاود النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كتابة الكتاب بعد أن قال القوم ما قالوا.
وإذا صح وجود (الجامعة) عند أمير المؤمنين عليهالسلام فمن الواضح أنه لا يجب عليه بذلها للقوم ، وذلك لأنهم لما ردّوا كتاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته كيف يقبلونه من أمير المؤمنين عليهالسلام بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
__________________
مهمات الأحكام كانت مبيّنة وموضحة في ذلك الحين ، وقد أكمل الله الدين وأتم النعمة قبل هذا اليوم ، ولأن النص على الخلفاء أهم من إعادة كتابة أحكام مبيّنة ، وبالنص على الخلفاء يندفع كل اختلاف وبلاء وتضليل ، ولأن من خفيت عليه مهمات الأحكام فخالفها لا يكون ضالاً بل حتى لو خالفها وهو بها عالم ، فإنه يكون فاسقاً لا غير ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لو أراد أن يكتب مهمات الأحكام لما حدث اللغط والاختلاف ونسبة الهجر إليه ، وما سبب اللغط إلا علمهم بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد أن ينص على الخلفاء من بعده ، ثمّ إن المناسب في ذلك الوقت ـ وهو قبيل وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأيام قليلة ـ مع شدة وجع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وانشغاله بنفسه أن ينص على من يقوم بالأمر من بعده لا كتابة مهمات الأحكام في ذلك الوقت الحرج.
(١) الطبقات الكبرى ٥ / ٢٩٣.