والاحتجاج بالتوراة والإنجيل على أهل تلك الملل جائز لا ضير فيه ، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر (رض) أن اليهود جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا ، فقال لهم : كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا : نُحمِّمُهما (١) ونضربهما. فقال : لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا : لا نجد فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام : كذبتم ، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مِدْراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفَّه على آية الرجم ، فقال : ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا : هي آية الرجم. فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد ، فرأيت صاحبها يجنأ عليها (٢) ، يقيها الحجارة (٣).
ولهذا أفتى مَن وقفنا على فتاواه من العلماء بجواز اقتناء التوراة والإنجيل ، بل كتب الضلال كلها لنقضها أو للاحتجاج بها على من يعتقد بها.
وعليه ، فلعل اقتناء أهل البيت عليهمالسلام لهذه الكتب كان لأجل هذه الغاية ، فلا يستخرجون شيئاً منها إلا وقت الحاجة إليه ، كما صنع الإمام عليهالسلام مع بُريه.
وقد ورد ما يشهد لذلك في كتبهم ، فقد أخرج أبو عمرو الداني في سُننه ، عن ابن شوذب قال : إنما سُمّي المهدي لأنه يُهدَى إلى جبل من جبال الشام ، يستخرج منه أسفار التوراة ، يحاج بها اليهود ، فيسلم على يديه جماعة من اليهود (٤).
وعن كعب قال : إنما سُمّي المهدي لأنه يهدى إلى أسفار من أسفار التوراة ، يستخرجها من جبال الشام ، يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة ،
__________________
(١) أي نسكب عليهما الماء الحميم ، وقيل : نجعل في وجوههما الحمَّة ، أي السواد.
(٢) أي يحني ظهره عليها.
(٣) صحيح البخاري ٦ / ٤٦ كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، ٩ / ٢٠٥ كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر ، باب الرجم في البلاط ، وصفحة ٢١٤ باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم ٣ / ١٣٢٦.
(٤) العرف الوردي في أخبار المهدي (المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي) ٢ / ٨١.