ومع الإغماض عن سند الرواية ، فالخيانة فيها لا يراد بها ارتكاب الفاحشة كما أراد الكاتب أن يوهم قُرَّاءه به ، لأن الخيانة خلاف الأمانة ، وهي أخذ المال أو التصرُّف فيه بغير وجه حق.
ثمّ إن خيانة كل امرأة بحسبها ، فقد تكون في المال وقد تكون في غيره.
قال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث البخاري (ولو لا حواء لم تخن أنثى زوجها) : فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك ، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زيَّن لها إبليس حتى زينتْه لآدم ، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق ، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول ، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش ، حاشا وكلا ، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة ، وحسَّنتْ ذلك لآدم عُدَّ ذلك خيانة له ، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها ، وقريب من هذا حديث : (جحد آدم فجحدت ذريته) (١).
ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى عن امرأة نوح وامرأة لوط بأنهما خانتا زوجيهما في قوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (٢).
ولا ريب في أنه لا يراد بالخيانة هنا ارتكاب الفاحشة ، فإن نساء الأنبياء منزَّهات عن ذلك ، حتى مَن كانت منهن من أصحاب النار.
قال القرطبي في تفسيره : وقوله (فَخَانَتَاهُمَا) يعني في الدِّين ، لا في الفراش ، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون ، وذلك أنها قالت له : أمَا ينصرك ربك؟ فقال لها : نعم. قالت : فمتى؟ قال : إذ فار التنور. فخرجت تقول لقومها : يا قوم والله
__________________
(١) فتح الباري ٦ / ٢٨٣.
(٢) سورة التحريم ، الآية ١٠.