الناس ، وهذا عذر غير مقبول منه ، ولا سيما أنه كان حاكماً مهاباً لا يقدر أحد على معارضته.
ومنها : ما أخرجه مسلم وغيره عن أبي الأسود ، قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قرَّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرَّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولَنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنا نقرأ سورة ، كنا نشبِّهها في الطول والشدة ببراءة ، فأُنسيتها غير أني حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبّهها بإحدى المسبِّحات (١) فأُنسيتها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون ، فتُكتب شهادةً في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة (٢).
قلت : قوله : (فأُنسيتُها) يدل على أن السورتين اللتين أشار إليهما أبو موسى لم تنسخ تلاوتهما ، وإنما نسيهما أبو موسى وغيره من الصحابة فلم تُكتبا في المصحف المتداول عند المسلمين ، ولو لا ذلك لقال : (فنُسختا) ، ولما كان في نسيانهما قساوة قلب ، وأبو موسى ساق ذلك لبيان آثار قساوة القلب التي ابتُلي بها هو وغيره.
ومنها : ما أخرجه الحاكم بسنده عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : ما تقرءون ربعها يعني براءة ، وإنكم تسمُّونها سورة التوبة ، وهي سورة العذاب (٣).
وأخرج الطبراني في المعجم الأوسط عن حذيفة رضي الله عنه أيضاً ، قال : التي تسمُّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، وما يقرءون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها (٤).
__________________
(١) هي السور التي افتُتحت بسبحان وسبَّح ويسبِّح وسبِّح.
(٢) صحيح مسلم ٢ / ٧٢٦.
(٣) المستدرك ٢ / ٣٣١. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. الدر المنثور ٤ / ١٢٠.
(٤) المعجم الأوسط للطبراني ١ / ٣٦٥. مجمع الزوائد ٧ / ٢٨. وقال : رواه الطبراني في الأوسط