ذمًّا ، بل يرونه ـ على العكس من ذلك ـ مدحاً ، لأنهم يرون أن الكتمان كذب ونفاق.
ولا يُتوهَّم أن استحلال الإمام عليهالسلام كتمان بعض أحاديثه عن المخاطبين من الشيعة أو عن أكثر الشيعة يعني كتمان باقي العلوم والمعارف عنهم ، وذلك لأن الإمامين الصادقين عليهماالسلام خصَّا كثيراً من أصحابهما كأبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم وغيرهم بعلوم جليلة وأسرار كثيرة.
ففي صحيحة جميل بن دراج ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : بشِّر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (١).
وفي صحيحة سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليهالسلام إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حُفَّاظ الدين ، وأمناء أبي عليهالسلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة (٢).
فإن وصفهم بأنهم (أمناء الله وأمناء الإمام على الحلال والحرام) ، وأنهم (حفَّاظ الدين) واضح الدلالة على أن هؤلاء المذكورين كانوا محل ثقة الأئمة الصادقين عليهمالسلام ومستودع أسرارهم ، ولو لا ذلك لما صحَّ وصفهم بأمثال هذه الصفات.
هذا مع دلالة جملة من الأخبار على أن الأئمة عليهمالسلام خصُّوا شيعتهم بما شاءوا من العلوم والمعارف ، ولهذا أمر الأئمة عليهمالسلام شيعتهم بكتمان أسرارهم ، وحذّروهم من إفشائها ، ولو لا أنهم عليهمالسلام أباحوا أسرارهم لشيعتهم لما اتّجه أمرهم لهم بالكتمان ، وتحذيرهم إياهم من الإفشاء والإعلان.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٣٩٨. وسائل الشيعة ١٨ / ١٠٣.
(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٣٤٨. وسائل الشيعة ١٨ / ١٠٤.