ذلك فقابل بنو أميَّة عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق ، فسفكوا من أهل البيت دماءهم ، وسبَوا نساءهم ، وأسَرُوا صغارهم ، وخربوا ديارهم ، وجحدوا شرفهم وفضلهم ، واستباحوا سبَّهم ولعنهم ، فخالفوا المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في وصيَّته ، وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيَّته ، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ، ويا فضيحتهم يوم يُعرضون عليه (١).
ويكفي القارئ أن يجيل بنظره فيما صنعه علماء أهل السنة من إقصاء أهل البيت عن مراتبهم التي رتَّبهم الله فيها ، وجحد فضائلهم ، وإنكار مآثرهم ، حتى قدَّموا عليهم الطلقاء والمنافقين وغير ذوي السابقة ممن عُنُوا بجمع فضائلهم وتدوينها وتصحيحها وبثّها والعناية بها ، حتى كأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصاهم بهم دون أهل بيته ، وأمرهم بمودتهم دون الأئمة من عترته.
قال ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الاختلاف في اللفظ) : وتحامى كثير من المحدِّثين أن يحدّثوا بفضائله كرم الله وجهه ، أو يظهروا له ما يجب ، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح ، وجعلوا ابنه الحسين عليهالسلام خارجيّاً شاقّا لعصا المسلمين حلال الدم ، لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : (من خرج على أمَّتي وهم جميع فاقتلوه كائناً من كان). وسوَّوا بينه في الفضل وبين أهل الشورى ، لأن عمر لو تبين له فضله لقدَّمه عليهم ، ولم يجعل الأمر شورى بينهم ، وأهملوا من ذكره أو روى حديثاً من فضائله ، حتى تحامى كثير من المحدِّثين أن يتحدَّثوا بها ، وعُنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية ، كأنهم لا يريدونهما بذلك ، وإنما يريدونه. فإن قال قائل : (أخو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو سبطيه الحسن والحسين ، وأصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين) طَرَّتْ حسائك الصدور. وإن ذكر ذاكر قول النبي صلىاللهعليهوسلم : (من كنت مولاه فعلي مولاه) و (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وأشباه هذا ، التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقَّه ، بغضاً منهم للرافضة وإلزاماً لعلي عليهالسلام بسببهم ما لا
__________________
(١) فيض القدير ٣ / ١٤.