ثمّ اعلم أنّ محلّ الكلام في هذا القسم ما إذا كان الفرد من أوّل وجوده مردّدا بين الطويل والقصير ولم يكن مسبوقا بأحدهما ، فلو كان خروج الرطوبة المردّدة بين البول والمنيّ مسبوقا بناقض آخر وهو النوم مثلا ، لا يجري استصحاب الحدث الكلّي بعد الوضوء ، وذلك لوجود الاستصحاب الحاكم عليه ، وهو استصحاب بقاء الحدث الأوّل على حالته الأولى ، وعدم انقلابه إلى الحدث الأكبر لو قلنا بأنّ الحدثين من قبيل المتضادّين ، أو عدم تبدّله بمرتبة أقوى ، وآكد منه لو قلنا بأنّهما مختلفان بالشدّة والضعف ، أو عدم مقارنة الأكبر معه لو قلنا بأنّهما من قبيل المتخالفين كالحلاوة والحمرة.
وبالجملة ، على جميع التقادير والأقوال يجري الاستصحاب ، فيثبت أنّه غير جنب وغير محدث بالحدث الأكبر ، وحيث يكون محدثا بالوجدان يضمّ إليه هذا التعبّد بأنّه غير جنب ويترتّب عليه وجوب الوضوء ، فإنّ الله تعالى حكم بحكمين على موضوعين في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(١) إلى آخره ، وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(٢) : وجوب الغسل على الجنب ، ووجوب الوضوء على غير الجنب بمقتضى المقابلة ، فالمحدث الّذي لا يكون جنبا حكمه وجوب الوضوء ، فإذا أثبتنا الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل ، وتوضّأنا ، لا يبقى لنا بعد ذلك شكّ في بقاء الحدث الكلّي حتى نستصحبه ، بل يكون نقض اليقين باليقين.
فالصحيح ما في العروة في هذا الفرع ، أي الفرق بين خروج الرطوبة المردّدة من المتوضّئ ، فيستصحب بقاء الحدث الكلّي بعد أن اغتسل فقط أو توضّأ فقط ، وبين خروجها من المحدث فيكفيه الوضوء خاصّة (٣).
__________________
(١ و ٢) المائدة : ٦.
(٣) العروة الوثقى ، فصل في الاستبراء ، المسألة ٨.