وثانيا : بأنّ الاستصحاب السببي يكون حاكما على المسبّبي فيما إذا كان أحد طرفي المشكوك بالشكّ المسبّبي من آثار الاستصحاب السببي ، وبعبارة أخرى : فيما إذا كان الترتّب شرعيّا ، كما في طهارة الثوب النجس المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، وليس كلّ أصل سببي حاكما على الأصل المسبّبي ما لم يكن كذلك ، والمقام ليس كذلك ، فإنّ عدم الحلّيّة ليس من آثار استصحاب الحرمة شرعا ، بل يكون من لوازمه العقليّة من جهة التضادّ بين الحرمة والحلّيّة وعدم إمكان اجتماعهما ، ووجود أحد الضدّين مستلزم لعدم الآخر عقلا ، فموضوع استصحاب بقاء الحلّيّة ـ وهو الشكّ ـ باق ، فيجري ويعارض استصحاب الحرمة.
ولشيخنا الأستاذ قدسسره تقريب آخر في دورته السابقة ، وهو : أنّ استصحاب الحرمة على تقدير الغليان بنفسه تعبّد بأمرين : الأوّل : فعليّة الحرمة عند الغليان ، والثاني : عدم حلّيّة الزبيب بعد الغليان ، إذ لا معنى للحكم بالحرمة مع عدم الحكم بعدم الحلّيّة والإباحة ، وحينئذ لا شكّ في الحلّيّة بعد الغليان حتى نستصحبها ، بل نقطع بالتعبّد الاستصحابي بعدم الحلّيّة ، ولا يلزم في الأصل السببي الجاري في الشبهات الحكميّة أن يكون الترتّب شرعيّا ، وإنّما هو معتبر في الأصول السببيّة الجارية في الشبهات الموضوعيّة (١).
وفيه : أنّ لنا حكمين نقطع بكون أحدهما عامّا والآخر خاصّا ، ولا نميّز العامّ من الخاصّ ، إذ نعلم إجمالا إمّا بعموم الحرمة التقديريّة للعنب والزبيب وخصوص الحلّيّة بما قبل الغليان فيهما ، أو بعموم الحلّيّة للزبيب قبل الغليان وبعده وخصوص الحرمة التقديرية للعنب ، فكما يمكننا إثبات عموم الحرمة
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧.