النجس طاهر بلا إشكال ، فباستصحاب عدم الملاقاة في زمان القلّة يحكم بطهارته ، ولا نحتاج إلى إثبات بعديّة الملاقاة عن الكرّيّة ، ومنعه عن جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ أيضا قد عرفت ما فيه ، ففي جميع الصور الثلاث يجري الاستصحابان : أحدهما يقتضي طهارة الماء ، والآخر نجاسته ، فيسقطان من جهة المعارضة.
ويبقى الكلام في الكبرى التي أفادها ، والظاهر أنّه لا أساس لها ، فإنّ مثل عدم جواز إعطاء المال لمشكوك الفقر أو عدم جواز الإذن في دخول الدار لمشكوك الصداقة من جهة عدم إحراز الإذن الّذي هو موضوع لجواز التصرّف في مال الغير ، فإنّ إعطاء مال الغير لأحد ، وإدخال الغير في ملك المالك تصرّف في ملك الغير ، فلا بدّ من إحراز إذنه.
هذا بالنظر البدوي ، وإلّا ففي غالب موارد تعليق الحكم الترخيصي في المخصّص على أمر وجودي يوجد أصل موضوعي يحرز به عدم تحقّق ذلك الأمر الوجوديّ ، فإنّه ـ أيّا ما كان ـ حادث مسبوق بالعدم ولو أزلا ، فبأصالة عدم فقر المشكوك أو صداقته ، أو أصالة عدم حصول العلقة الزوجيّة أو عدم تحقّق النسب وسبب الحلّ في المرأة المشكوك كونها زوجة أو من المحرّمات النسبيّة يثبت عدم تحقّق عنوان المخصّص ، وبذلك يدخل في موضوع العامّ ، فإذا فرضنا عدم وجود أصل موضوعي يثبت عدم تحقّق عنوان المخصّص ، فمقتضى القاعدة هو البراءة ، لكونه شبهة في الموضوع ، فلا يمكن الحكم بنجاسة الماء المشكوك الكرّيّة ، الملاقي للنجس في المثال المتقدّم بعد تعارض الاستصحابين ، بل لا بدّ من الحكم بطهارته بقاعدة الطهارة.
هذا ، مع أنّ الإحراز لا يكون قيدا مأخوذا في موضوع عدم الانفعال بحيث يكون عدم الانفعال حكما مترتّبا على الماء المحرز الكرّيّة ، وإلّا تلزم