أيضا لا تثبت سبق الكرّيّة على الملاقاة ، وسبق العاصميّة للماء ـ ولو آناً ما ـ معتبر في عدم تأثير ملاقاة النجس ، وإذا لم تثبت بالاستصحاب لا نجاسة هذا الماء ولا طهارته ، فلا بدّ من الحكم بنجاسته لا من باب التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، بل من باب أنّ عدم التنجيس علّق في قوله عليهالسلام : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» (١) على موضوع الكرّ ، والحكم في المخصّص ـ سواء كان متّصلا أو منفصلا ـ إذا علّق على أمر وجودي ، فلا بدّ من إحراز ذلك الأمر الوجوديّ بحسب الفهم العرفي.
مثلا : إذا قال المولى : «لا تعط أحدا هذا المال إلّا إذا كان فقيرا» أو «لا تأذن لأحد في دخول داري إلّا إذا كان صديقا لي» لا يشكّ العرف في لزوم إحراز الفقر في جواز الإعطاء ، ولزوم إحراز الصداقة في جواز الإذن للدخول ، ولا يرونه معذورا إذا أعطى من يشكّ في فقره ، أو أذن من يشكّ في صداقته لو كان غنيّا أو غير صديق.
وبالجملة ، بنى على النجاسة في الصورة الأخيرة لهذه الكبرى ، كما بنى على عدم عفو الدم المشكوك كونه أقلّ من الدرهم أو أزيد ، وعلى حرمة النّظر إلى المرأة المشكوك كونها أجنبيّة لذلك أيضا (٢).
هذا ، ولكن لا يخفى عدم تماميّة ما أفاده ، والظاهر استناد عدم الجريان في جميع الصور الثلاث إلى التعارض ، وإلّا فلا مانع في نفسه من الجريان أصلا ، فإنّ منعه قدسسره عن جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة لأجل كونه مثبتا في الصورة الأولى والثالثة ، في غير محلّه ، فإنّ الماء القليل إذا لم يلاق
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٨ ـ ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ـ ١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٦ ـ ١ ، الوسائل ١ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦.