وهذا نظير ما أفاده بعد ذلك من أنّه لا يترتّب على أصالة صحّة الإيجاب إلّا صحّة الفعل إذا تعقّبه القبول ، ولا يحكم بملكيّة المشتري بمجرّد الحكم بصحّة الإيجاب بمقتضى أصالة الصحّة (١) ، فإنّ أصالة الصحّة في فعل البائع البالغ أو المديون المستدعي للضمان لا ربط لها بانضمام شيء آخر من بلوغ المشتري والضامن حال الضمان الّذي له دخل أيضا في ترتّب الأثر.
ودعوى أنّ مقتضى أصالة الصحّة في فعل البالغ هو معاملته مع البالغ لا غير ، فيثبت بذلك بلوغ الطرفين ويحكم بصحّة المعاملة ، غير مفيدة ، فإنّ أصالة الصحّة بمعنى أنّه يفعل فعلا مباحا غير ممنوع شرعا مسلّمة لكن ليست هي محلّ البحث ، وبمعنى أنّه فعل فعلا صحيحا يترتّب عليه الأثر لا تقتضي أزيد ممّا يرجع إليه ولا يثبت تحقّق شيء آخر ممّا له دخل أيضا في ترتّب الأثر ، كالبلوغ في المثال.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ أصالة صحّة عقد الفضولي لا تفيد ما لم تحرز إجازة من بيده الإجازة ، وهكذا أصالة صحّة عقد الهبة لا تفيد ما لم يحرز تحقّق القبض في الخارج ، فإنّ الإجازة والقبض أيضا ممّا له دخل في تأثير عقد الفضولي ، كما أنّ القبض له دخل في تأثير عقد الهبة ، ولولاه لم تحصل الملكيّة ، فلو وهب أحد مالا لأحد فمات الواهب وادّعى الوارث عدم تحقّق القبض ، والموهوب له تحقّقه ، لا يحكم بأصالة الصحّة أنّ هذا المال للموهوب له ، بل الأصل الحكمي ـ وهو أصالة عدم انتقاله إليه ـ يحكم بكونه للميّت ، فيرثه وارثه. وهكذا لو طلّق فضوليّ امرأة ، لا يجوز نكاحها بعد انقضاء عدّتها بمقتضى أصالة الصحّة.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤١٨ ـ ٤١٩.