فلا مناص في هذه الصور الثلاث عن جعل أحدهما معيّنا ، فيخرج عن باب التزاحم ، ويدخل في باب التعارض الّذي ملاكه هو التكاذب في مقام الجعل ، فلا وجه لجعلها من باب التزاحم.
وهكذا لا وجه لما أفاده صاحب الكفاية في صورة قيام الأمارتين على حكمين متناقضين ـ كالوجوب وعدم الوجوب ـ من أنّه يؤخذ بما يقتضي الإلزام (١).
وذلك لأنّ ما يدلّ على عدم الوجوب أيضا موجب لحدوث مصلحة معدمة لما يقتضي الوجوب من المصلحة حتى يصحّ جعل عدم الوجوب بسببه ، فهنا مصلحتان : إحداهما مقتضية لجعل الوجوب ، والأخرى لجعل عدم الوجوب ، فيدخل جميع الصور الأربع إلّا الأولى منها في باب التعارض.
نعم لو التزمنا بالسببيّة الباطلة وبباطل آخر ـ وهو أنّ المجعول في باب الأمارات هو وجوب عقد القلب والالتزام بمؤدّى الأمارة وتصديقه قلبا المستلزم للعمل على طبقه خارجا ـ فجميع الصور تدخل في باب التزاحم ، إذ الّذي تحدث فيه المصلحة حينئذ هو الأمر القلبي من الالتزام وتصديق مؤدّى الأمارة ، فكلّ من الالتزامين ، له مصلحة مقتضية لوجوبه ، ولا مانع من إيجاب المولى كليهما ، غاية الأمر أنّه مشروط عقلا بالقدرة ، فيقع التزاحم بينهما في مقام الامتثال ، لكن هذا الالتزام التزام بباطل في باطل.
وإن كان قيام الأمارة موجبا لحدوث مصلحة في نفس إلزام المولى ، فيكون جميع الصور خارجة عن باب التزاحم الّذي هو محلّ الكلام ، إذ على ذلك يكون التزاحم في مقام الجعل ، ففي الصورة الأولى يجعل كلّا منهما
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.