والمستفاد منها حجّيّة قول «المقلّد» و «الفقيه» و «أهل الذّكر» و «المنذر» و «راوي الحديث» على اختلاف التعابير ، سواء كان المقلّد حيّا بعد الرجوع إليه أو لم يكن.
والسيرة المتشرّعة أيضا على ذلك ، إذ لم يكن التوقّف بعد ممات المرجوع إليه معهودا ممّن رجع إلى أصحاب الأئمّة وأخذ منهم حكما.
ولو لم تكن السيرة المتشرّعة على ذلك ، لكان في بناء العقلاء غنى وكفاية ، ومنكره منكر للأمر الضروري ، ضرورة عدم توقّفهم في أمورهم إذا راجعوا أهل الخبرة بمجرّد موت من رجعوا إليه ، فإذا راجعوا طبيبا فكتب نسخة وعيّن دواء ثمّ مات ، لم يراجعوا طبيبا آخر.
هذا ، لكنّ الإطلاقات غير شاملة لتقليد الميّت ابتداء ، بل ظاهرها بحسب عناوينها وما اعتبر فيها من القيود هو فعليّة هذه العناوين والقيود عند الرجوع إليه والسؤال عنه ، فلا بدّ من صدق عنوان «السؤال عن أهل الذّكر» و «الرجوع إلى رواة الحديث» و «النّظر إلى من عرف الأحكام» و «تقليد من يكون من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه» وأمثال هذه التعابير ، ومن المعلوم أن لا تصدق عرفا هذه العناوين بعد الموت.
نعم ، السيرة العقلائيّة جارية على الرجوع إلى رأي العالم مطلقا حتى ابتداء ، فإنّهم كما لا يتوقّفون فيما رجعوا إلى الحيّ بعد موته كذلك يرجعون إلى الميّت ابتداء إذا كان من أهل الخبرة ، فنرى أنّهم يرجعون إلى قانون «أبو علي سينا» فإذا رأوا أنّه عيّن فيه دواء لمرض خاصّ ، يعالجون به مع تشخيصه.
لكن هذه السيرة مردوعة إمّا بالإجماع ـ والظاهر كفاية هذا الإجماع ، إذ لم ينسب إلى أحد من الطبقة الأولى والطبقة الوسطى جواز تقليد الميّت ابتداء ، والقول بالجواز إنّما نشأ من بعض المتأخّرين بعد الشهيدين ،