آتاها» (١) وما يظهر من رواية عكاشة (٢) ـ المذكورة في قاعدة الميسور ـ عند السؤال عن تكرار الحجّ من أنّ الهلاك بكثرة السؤال ، وأنّ المكلّف لا بدّ أن يأتمر بأمر الشارع وينتهي عن نهيه دون أن يسأل عمّا لم يأمر به ولم ينه عنه ـ هو : أنّ الأشياء في أوّل الشريعة كانت مباحة ومرخّصا فيها وإنّما جعلت الأحكام الإلزاميّة تدريجا وشيئا فشيئا ، فكلّ حكم إلزامي كان مسبوقا بالإباحة فالنجاسة أيضا كانت مسبوقة بالطهارة ، فاستصحاب عدم جعل النجاسة ليس له معارض في مرتبته.
وثانيا : أنّ استصحاب عدم جعل الطهارة لو سلّم جريانه ، فلا مانع من استصحاب عدم جعل النجاسة أيضا ، إذ لا تلزم من إجراء الاستصحابين مخالفة عمليّة ، ولا من التعبّد بهما التعبّد بالمتناقضين أو الضدّين ، وسيجيء ـ إن شاء الله في آخر الاستصحاب ـ أنّ التمانع بين الاستصحابين ليس إلّا من جهة المخالفة العمليّة أو التعبّد بالضدّين أو المتناقضين ، كما في استصحاب طهارة كلا المائعين اللذين يعلم بنجاسة أحدهما لملاقاته البول مثلا ، فإنّه تلزم منه مخالفة عمليّة ، وكاستصحاب النجاسة والطهارة فيما إذا عرضت له الحالتان واشتبهت المتقدّمة منهما بالمتأخّرة ، فإنّ التعبّد بهما تعبّد بالضدّين ، وأمّا إذا لم يلزم شيء من ذلك ، كاستصحاب نجاسة المائعين النجسين اللذين علم بإصابة المطر لأحدهما إجمالا ، فلا محذور في إجراء استصحاب النجاسة في كليهما ، والمقام من هذا القبيل.
وثالثا : لو سلّمنا التعارض ، فاستصحاب عدم جعل النجاسة إنّما يعارض كلا الاستصحابين ، وهما : استصحاب عدم جعل الطهارة ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٦ ـ ٨ ، الوسائل ٢١ : ٥٥٦ ، الباب ٢٨ من أبواب النفقات ، الحديث ٣.
(٢) انظر مجمع البيان ٣ ـ ٤ : ٣٨٦ ، والدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٣ : ٢٠٦.