وكيف كان ، فمادة (حصن) تدلّ على المنع والتمنّع ، ومنه الحصن وهو المكان المنيع الحمي ، وحصّنت المرأة (بضم الصاد) حصانة وحصنا ، بمعنى عفّت ومنعت نفسها من الوقوع في الإثم وامتنعت من الفجور ، قال تعالى : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) [سورة النساء ، الآية : ٢٥] ، ومنه الحصان لأنّه حصن بمائه فلم ينز إلا على كريمة.
وأحصنت المرأة إذا تزوّجت ومنعت نفسها من غير الزوج ، كما منعت الزوج من الوقوع في الحرام ، فيقال لها : محصنة (بفتح الصاد) ، ومحصنة (بالكسر) ، كما عرفت آنفا.
وقيل : إنّ كلّ امرأة عفيفة محصنة (بالفتح والكسر) ، وكلّ امرأة متزوّجة محصنة (بالفتح) لا غير.
وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب من ثمانية عشر موضعا ، وجميعها تدور حول ذلك المعنى الذي ذكرناه ، اي : المنع والامتناع ، قال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١] أي : عفت : وقال تعالى : (قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ٤٨] أي : ممّا تحفظونه في الحصن والأماكن المعدّة لحفظ الأغذية ، وقال تعالى : (مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) [سورة الحشر ، الآية : ٢] ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [سورة النور ، الآية : ٢٣] أي : الحرائر ، لأنّ الحرية تمنع الحرّة عن الفجور ، بخلاف الإماء اللواتي كان الزنا فاشيا فيهن ، وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) [سورة النساء ، الآية ٢٥] أي : الحرائر.
والمراد بالمحصنات في الآية الشريفة المتزوّجات من النساء مطلقا ، من الحرائر والإماء المسلمات والكافرات.
والمعنى : وحرّمت عليكم النساء المزوّجات مطلقا ، الحرائر والإماء ، وقيل : في الآية المباركة وجوه اخرى لا يخفى بعدها.