امره عزوجل ، وليست الطاعة فقط هي طاعته عزوجل كما زعمه هؤلاء المنافقون ، وأنّ شأن الرسل لم يكن الوعظ والإرشاد فقط فيأخذ به من يأخذ ويتركه من يترك ، أو أنّ اتباع الرسل إنّما هو لأجل الصلاح ، فإذا أحرز أحد في نفسه ذلك ليس له مع الرسول شأن وله أن يتركه في جانب ، بل إذا أطاعه حينئذ كان إشراكا بالله تعالى وعبادة للرسول معه ، وهذه الآية الكريمة تدفع هذا التوهّم وتبيّن خطأ معتقدهم ، وتثبت طاعة الرسول وأنّها من طاعة الله تعالى ، وسيأتي في موضع آخر من هذه السورة تأكيد ذلك ، قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [سورة النساء ، الآية : ٨٠].
والآية الشريفة لا تثبت سلطة ظاهريّة للرسل ، بل أنّ الطاعة هي غاية إرسال الرسل ، وإلا فإنّ كثيرا من الرسل لم تكن لهم سلطة ظاهريّة ولم يكونوا حكّاما ـ وسواء كانوا أم لم يكونوا ـ فإنّ ذلك لا يغيّر من الواقع شيئا ، فهم رسل من الله تعالى ، أثبت لهم عزوجل الطاعة وأوجب تعالى على الناس أن يطيعوهم في أوامره تعالى وأحكامه ، وأنّ تهذيب النفوس إنّما يكون بطاعتهم وإصلاحها بالعمل ، لا بمجرّد سماع نصائحهم وترك أوامرهم.
ويستفاد من قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) أنّ طاعة الرسل لم تكن ذاتيّة ، بل إفاضية من قبل الله تعالى ، فطاعتهم واجبة بإذنه ، كما ذكرنا في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، وأنّها لم تكن على الناس بنحو الجبر والإلجاء ، بل الطاعة كسائر الأشياء إنّما تكون بمشيئة الله عزوجل وإذنه.
ثم إن قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) أبلغ في استغراق النفي من غيره ، فكلّ رسول تجب طاعته.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)
تبيت لمضمون الآية السابقة ، وبيان بأنّ السبيل الموصل إلى الله تعالى إنّما يكون عن طريق الأنبياء والرسل ، فهو عزوجل لم يغلق بابه أحد مهما بلغت