وظاهر السياق وإن كان ردّا للمنافقين إلا أنّ عموم الحكم في الغاية والقرائن المحفوفة بالكلام ، يشمل غيرهم أيضا ، فتكون الآية الشريفة محكّا حقيقيّا للإيمان الصحيح ، فإنّه لا إيمان بدون تحكيم شريعة الله تعالى والرضا بحكمه وحكم رسوله والتسليم لهما عملا واعتقادا ، وإلا فليس الإيمان مجرّد النطق بالشهادتين من دون الطاعة له عزوجل ولرسوله ، فتكون هذه الآية تطبيقا آخر للأمر بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول ، وتثبت مضمونه وتؤكّده ، وقد أكّد عزوجل في مواضع متفرّقة من القرآن الكريم أنّ الإيمان الحقيقيّ هو الاعتقاد المقرون بالعمل.
قال تعالى : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة النور ، الآية : ٤٧ ـ ٥١].
فهذه الآية الشريفة مفسّرة لقوله تعالى في هذه السورة ، وتبيّن بوضوح أنّ الإيمان الصحيح هو ما كان الاعتقاد مطابقا للعمل ، وإلا فمجرّد النطق بالشهادتين مع قطع النظر عن الاعتقاد الجازم ، لا يوجب الاتصاف بالإيمان الذي يريده عزوجل الداعي إلى العمل والتسليم بحكم الله تعالى ورسوله والطاعة لهما ، بل نفى عزوجل في موضع آخر من كتابه المجيد أن يكون القيام ببعض الشعائر التعبديّة من مظاهر الإيمان إذا لم تكن عن صدق وثبات وتسليم ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٢].
وقد ذكر عزوجل في المقام ثلاث علامات صريحة وحاسمة ، كلّ واحدة