الإفاضة من الأهليّة ، وإن اختلفت شدة وضعفا لقاعدة التناسب التي أثبتها المتألّهون من الفلاسفة ، وتدلّ عليها آيات شريفة يأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى وروايات كثيرة.
وللإفاضة مراتب غير متناهية لا يمكن تحديدها ؛ لأنّ الذات المفاض منها غير متناهية ، وكذا صفاتها التي منها الإفاضة ، قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [سورة الكهف ، الآية : ١٠٩] ، وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٧] ، وكذا تختلف لياقة المفاض عليه حسب إيمانه أو دركه ، أنّ الذوات تختلف ـ لا على سبيل سلب الاختيار عنه ـ وغير ذلك.
ولا تختصّ الإفاضة بعالم دون آخر ، فهي تكون في جميع العوالم ، عالم الشهادة ، وعالم البرزخ ، وعالم القيامة. وإن ناقش بعضهم في الإفاضة في عالم البرزخ ، ولكنّها غير صحيحة ، لما يأتي في محلّه.
بل يمكن ابتناء مسألة الخلود على الإفاضة ؛ لأنّ التنعّم في الجنّة عناية ولطف وإفاضة منه تعالى ، فلا يمكن تحديده لا كما ولا كيفا ولا زمانا لما تقدّم ، فيتحقّق الخلود لا محالة ، كما أنّ بعد النفوس الشريرة عن النفوس المقدّسة بالتقابل ، والفاصل بينهم وبين المتّقين والتباعد بين المؤمنين والكافرين ، نعمة ولطف وعناية للمؤمنين ، فلا بد وأن تكون غير محدودة أيضا ، فيتحقّق الخلود في النّار وإن كان دخول أصل النّار من باب الجزاء ، قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [سورة الأعراف ، الآية : ٤٤] ، وقال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ