موجود في الآخر من محبّة أو صداقة أو فقر أو غيرها.
وأنت إذا تدبّرت جميع أفعال الانسان وجدت لها مبادئ في نفسه ، لو لم يكن تلك المبادئ لم يصدر عنها تلك الافعال الاختياريّة ، فاذا رأينا زيدا يصلّي أو يدعو أو يضرب أحدا أو يقتله أو يكرمه أو غير ذلك ، علم العاقل أنّ له إرادة متعلّقة بذلك ، منبعثة عن صفة نفسانيّة اقتضت ذلك الاختيار. وكذا جميع موجودات العالم يرجع إلى تلك الامور المفروضة ، وهي إلى حقائق أسماء الله سبحانه ، الّتي تسمّى بها ، وصفاته الافعاليّة ، وهي إلى الصفات الذاتيّة ، الّتي هي عين الذات. ولكلّ شيء سبب مركّب من مقتض وشرط ومعدّ وانتفاء مانع ، ولها أيضا أسباب كذلك ، إلى أن ينتهي إلى مسبّب الاسباب. فمن عرف الله سبحانه بجميع أسمائه فقد عرف جميع المخلوقات لانتقال الذهن من الاسباب إلى المسبّبات ، ومن عرف فردا من أفراد كلّ عنوان بالعناوين الّتي باعتبارها صار معروضا لأفعال الله سبحانه وأسمائه ، فقد عرف الاسماء والصفات بعد معرفة كيفيّة الارتباط ومناطه.
والقرآن مبيّن للأسماء والصّفات والحوادث وكيفيّة الارتباط تصريحا وتلويحا ، ويشبه أن يكون ذكر كثير من أسماء الله سبحانه عقيب ذكر الحوادث تنبيها على مبدء تلك الحادثة ، وأن مصدرها هو ذلك الاسم والصفة. فالقرآن واف ببيان جميع الاشياء لمن يعرفه حق معرفته.
وقد سبق بعض البيان في ذلك ، وستعرف بعض ما يتّضح به ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ. وهذا ذكر إجمالي سنح بالبال ، فتدبّره فلعلّه يكون الحقّ في المقال ، والله العالم بحقيقة الحال.