والمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى (١) تأويله ، بل نتّبع حقائقه.» (٢)
أقول :
اعلم أنّ الحكيم هو الّذي يضع الاشياء مواضعه ، ويعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، والجواد المطلق هو الّذي يعطي كلّ محتاج ما يحتاج إليه ، والفيّاض المطلق من يعطي كلّ قابل ما له قابليّته واستعداده. ولمّا كان الممكن في نفسه ومرتبة ذاته معدوما محضا ، لا يتّصف بأمر أصلا ، فحصول القابليّة والاحتياج والاستحقاق وصيرورته ذا شأنيّة وصلاحيّة به يكون موضعا واقعيّا لأمر ما لا يكون في الممكن إلا باعطاء الحقّ إيّاه ذلك ، كما أنّه لا تمايز بين الاعدام حال العدم المطلق ، فالله سبحانه ينشأ ذات الممكن ، ويعطيه القابليّة والاستحقاق والشأنيّة والاحتياج ، ويهب له ما يقتضيه ذلك العطاء الاوّل ؛ فيخلق الحيوان ويعطيه الحاجة إلى الرزق ويرزقه ، وكل شيء موجود فهو بتقدير الله وقضائه وقدره ومشيّته وإمضائه ، والمتعلّقة بتلك الجزئيّات ، وتلك الجزئيّات واقعة تحت أنواع وأصناف هي مناط صيرورتها محالّ تلك الامور الالهيّة. فالانواع وقابليّاتها المصحّحة لتلك الامور والامور المفروضة كلّها راجعة إليه ، وفعل كلّ أحد يرجع إلى صفاته ؛ لأنّها المبادئ للأفعال ، فاذا أعطى زيدا أحدا ومنع آخر مع استواء قدرته بالنسبة إلى كلّ منهما ، فيعلم كلّ أحد أنّ للمعطى خصوصيّة في قلب المعطي به صار سببا لاعطائه ، وهو غير
__________________
(١) في بعض نسخ الاحتجاج : «لا يبطينا» ، وفي بعض آخر : «لا يبطئنا».
(٢) رواه الطبرسي (ره) في الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٢ ؛ وهكذا أورده الطبري (رض) في بشارة المصطفى ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن بن عليّ ـ عليهماالسلام ـ نحوه ؛ ونقله الحرّ العاملي (ره) في الوسائل ، ج ١٨ ، باب ١٣ من أبواب صفات القاضي ص ١٤٤ ، ح ٤٥ ، وقد مر في المقدمة الثانية ، ص ٤٠.