وعيسى من تغيير التوراة والانجيل ، وتحريف الكلم عن مواضعه ، وبقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.)(١) يعني : إنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة ، فأعمى الله قلوبهم (٢) حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه فيه وحرّفوه منه ، وبيّن عن إفكهم وتلبيسهم ، وعن كتمان ما علموه منه ؛ ولذلك قال لهم : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ؟)(٣) وضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.)(٤) فأمّا «الزبد» في هذا الموضع كلام الملحدين ، الّذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحلّ ويبطل ، ويتلاشى عند التحصيل ؛ والّذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقيّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله. و «الارض» في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره ، وليس يسوغ (٥) مع عموم التقيّة التصريح بأسماء المبدّلين ، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر ، والملل المنحرفة عن قبلتنا ، وإبطال هذا العلم الظاهر الّذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الائتمار
__________________
(١) التوبة / ٣٢.
(٢) في المخطوطة : «على قلوبهم».
(٣) آل عمران / ٧١.
(٤) الرعد / ١٧.
(٥) في المخطوطة : «سوغ».