العلم بوقوع التصرّف بالنقصان والتحريف فيها ، مضافا إلى أنّه إنّما يلزم ذلك لو لم يصل إلينا من ناحية المعصومين عليهمالسلام مواضع التحريف.
وأمّا ما نقص من الكتاب فليس المصيبة به أعظم من مصابنا بالغيبة (١) المستندة إلى أعمالنا السيّئة.
وكدعوى أنّ القرآن ممّا يتوفّر الدواعي علي نقله ، واشتدّت العناية على حراسته ، إذ القرآن معجز النبوّة ومأخذ الاحكام الدينيّة ، وكلّما كان كذلك فالعادة تقتضي بنقله متواترا ، فما لم ينقل كذلك ليس قرآنا ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقرائته وحروفه وآياته ؛ مع أنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مجموعا مؤلّفا على ما هو عليه الآن ؛ إذ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى يمكن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبيّ صلىاللهعليهوآله ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل : «عبد الله بن مسعود» و «أبيّ بن كعب» وغيرهما ختموا القرآن علي النبىّ صلىاللهعليهوآله عدّة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ على أنه كان مجموعا مرتّبا غير مبثوث ، ولو تمكّن المستولون على الخلافة وأتباعهم على تغيير المصاحف المكتوبة ، فما كانوا متمكّنين من تغيير ما حفظ فى القلوب.
وفيه أنّ توفّر الدواعي على حفظه من جهة الاعجاز في القرآن كتوفّره
__________________
(١) المقصود هو : غيبة الامام المنتظر والحجة الثانى عشر ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ ، واستنادها إلى معاصي العباد مؤيد بالاخبار ؛ منها : كلام القائم ـ عليهالسلام ـ في كتابه إلى الشيخ المفيد (قده) ، وهي : «ولو أنّ أشياعنا ـ وفّقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا. فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم.» فراجع الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ ، والبحار ، ج ٥٣ ، باب ٣١ ، ص ١٧٦ ، ح ٨.